المناسبة بين وصفهم بالعشا وبين ما في هذا الانتقال لوصفهم بالصمّ العمي.
وعطف (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فيه معنى التذييل لأنه أعم من كل من الصمّ والعمي باعتبار انفرادهما ، وباعتبار أن الصّمم والعمى لما كانا مجازين قد يكون تعلقهما بالمسموع والمبصر جزئيا في حالة خاصة فكان الوصف بالكون في الضلال المبين تنبيها على عموم الأحوال وهو مع ذلك ترشيح للاستعارة لأن اجتماع الصمم والعمى أبين ضلالا.
[٤١ ، ٤٢] (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢))
تفريع على جملة (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) [الزخرف : ٤٠] إلى آخرها المتضمنة إيماء إلى التأييس من اهتدائهم ، والصريحة في تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم من شدة الحرص في دعوتهم ، فجاء هنا تحقيق وعد بالانتقام منهم ، ومعناه : الوعد بإظهار الدين إن كان في حياة النبيصلىاللهعليهوسلم أو بعد وفاته ، ووعيدهم بالعقاب في الدّنيا قبل عقاب الآخرة ، فلأجل الوفاء بهذين الغرضين ذكر في هذه الجملة أمران : الانتقام منهم لا محالة ، وكون ذلك واقعا في حياة الرّسول صلىاللهعليهوسلم أو بعد وفاته. والمفرّع هو (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) وما ذكر معه ، فمراد منه تحقق ذلك على كل تقدير.
و (إما) كلمتان متصلتان أصلهما (إن) الشرطية و (ما) زائدة بعد (إن) ، وأدغمت نون (إن) في الميم من حرف (ما) ، وزيادة (ما) للتأكيد ، ويكثر اتصال فعل الشرط بعد (إن) المزيدة بعدها (ما) بنون التوكيد زيادة في التأكيد ، ويكتبونها بهمزة وميم وألف تبعا لحالة النطق بها.
والذهاب به هنا مستعمل للتوفي بقرينة قوله : (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) لأن الموت مفارقة للأحياء فالإماتة كالانتقال به ، أي تغييبه ولذلك يعبر عن الموت بالانتقال. والمعنى : فإما نتوفينك فإنا منهم منتقمون بعد وفاتك. وقد استعمل (مُنْتَقِمُونَ) للزمان المستقبل استعمال اسم الفاعل في الاستقبال ، وهو مجاز شائع مساو للحقيقة والقرينة قوله : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ).
والمراد ب (الَّذِي وَعَدْناهُمْ) الانتقام المأخوذ من قوله : (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ). وقد أراه الله تعالى الانتقام منهم بقتل صناديدهم يوم بدر ، قال تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ