يكون غيره إلها مثله وذلك أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام وكانوا في عقائدهم أشتاتا فمنهم من يجعل الأصنام آلهة شركاء لله ، ومنهم من يزعم أنه يعبدهم ليقربوه من الله زلفى ، ومنهم من يزعمهم شفعاء لهم عند الله. فلما نفي بهذه الآية أن يكون جعل آلهة يعبدون أبطل جميع هذه التمحّلات.
وأجري (آلِهَةً) مجرى العقلاء فوصفوا بصيغة جمع العقلاء بقوله : (يُعْبَدُونَ). ومثله كثير في القرآن جريا على ما غلب في لسان العرب إذ اعتقدوهم عقلاء عالمين. وقرأ ابن كثير والكسائي وسل بتخفيف الهمزة.
[٤٦ ، ٤٧] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧))
قد ذكر الله في أول السورة قوله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ) نبيء (فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ) نبيء (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) [الزخرف : ٦ ـ ٨]. وساق بعد ذلك تذكرة بإبراهيم عليهالسلام مع قومه ، وما تفرع على ذلك من أحوال أهل الشرك فلما تقضّى أتبع بتنظير حال الرّسول صلىاللهعليهوسلم مع طغاة قومه واستهزائهم بحال موسى مع فرعون وملئه ، فإنّ للمثل والنظائر شأنا في إبراز الحقائق وتصوير الحالين تصويرا يفضي إلى ترقب ما كان لإحدى الحالتين من عواقب أن تلحق أهل الحالة الأخرى ، فإن فرعون وملئه تلقّوا موسى بالإسراف في الكفر وبالاستهزاء به وباستضعافه إذ لم يكن ذا بذخة ولا محلّى بحلية الثراء وكانت مناسبة قوله (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف : ٤٥] الآية هيّأت المقام لضرب المثل بحال بعض الرّسل الذين جاءوا بشريعة عظمى قبل الإسلام.
والمقصود من هذه القصة هو قوله فيها (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) [الزخرف : ٥٥ ، ٥٦] ، فإن المراد بالآخرين المكذبون صناديد قريش. ومن المقصود منها بالخصوص هنا : قوله (وَمَلَائِهِ) أي عظماء قومه فإن ذلك شبيه بحال أبي جهل وأضرابه ، وقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) لأن حالهم في ذلك مشابه لحال قريش الذي أشار إليه قوله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا) من نبيء (فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ) من نبيء (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الزخرف : ٦ ، ٧] ، وقوله بعد ذلك (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) [الزخرف : ٥٢] لأنهم أشبهوا بذلك حال أبي جهل ونحوه في قولهم :