بخصائص بعض الأشياء التي لا تعرفها العامة ، وكان الكهنة يعهدون بها إلى تلامذتهم ويوصونهم بالكتمان.
والعهد : هو الائتمان على أمر مهمّ ، وليس مرادهم به النبوءة لأنهم لم يؤمنوا به وإذ لم يعرفوا كنه العهد عبروا عنه بالموصول وصلته. والباء في قوله : (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) متعلقة ب (ادْعُ) وهي للاستعانة. ولما رأوا الآيات علموا أن رب موسى قادر ، وأن بينه وبين موسى عهدا يقتضي استجابة سؤله.
وجملة (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) جواب لكلام مقدر دل عليه (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) أي فإن دعوت لنا وكشفت عنا العذاب لنؤمننّ لك كما في آية الأعراف [١٣٤] (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) الآية. ف (مهتدون) اسم فاعل مستعمل في معنى الوعد وهو منصرف للمستقبل بالقرينة كما دلّ عليه قوله : (يَنْكُثُونَ) [الزخرف : ٥٠] ونظيره قوله في سورة الدخان [١٢ ، ١٣] حكاية عن المشركين (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) الآية. وسمّوا تصديقهم إياه اهتداء لأن موسى سمى ما دعاهم إليه هديا كما في آية النازعات [١٩] (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى).
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠))
أي تفرع على تضرعهم ووعدهم بالاهتداء إذا كشف عنهم العذاب أنهم نكثوا الوعد.
والنكث : نقض الحبل المبرم ، وتقدم في قوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) في سورة الأعراف [١٣٥] ، وهو مجاز في الخيس بالعهد.
والكلام على تركيب هذه الجملة مثل الكلام على قوله آنفا (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) [الزخرف : ٤٧].
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١))
لما كشف عنهم العذاب بدعوة موسى ، وأضمر فرعون وملؤه نكث الوعد الذي وعدوه موسى بأنهم يهتدون ، خشي فرعون أن يتبع قومه دعوة موسى ويؤمنوا برسالته فأعلن في قومه تذكيرهم بعظمة نفسه ليثبّتهم على طاعته ، ولئلا ينقل إليهم ما سأله من موسى وما