مثل الملك حسب افتقادها هو من شعار الملوك عندهم أمارة على انتفاء الرسالة.
و (أَوْ) للترديد ، أي إن لم تلق عليه أساورة من ذهب فلتجئ معه طوائف من الملائكة شاهدين له بالرسالة.
ولم أقف على أنهم كانوا يثبتون وجود الملائكة بالمعنى المعروف عند أهل الدين الإلهي فلعل فرعون ذكر الملائكة مجاراة لموسى إذ لعله سمع منه أن لله ملائكة أو نحو ذلك في مقام الدعوة فأراد إفحامه بأن يأتي معه بالملائكة الذين يظهرون له.
و (مُقْتَرِنِينَ) حال من (الْمَلائِكَةُ) ، أي مقترنين معه فهذه الحال مؤكدة لمعنى (مَعَهُ) لئلا يحمل معنى المعية على إرادة أن الملائكة تؤيّده بالقول من قولهم : قرنته به فاقترن ، أي مقترنين بموسى وهو اقتران النصير لنصيره.
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤))
أي فتفرع عن نداء فرعون قومه أن أثّر بتمويهه في نفوس ملئه فعجّلوا بطاعته بعد أن كانوا متهيئين لاتباع موسى لما رأوا الآيات. فالخفة مستعارة للانتقال من حالة التأمل في خلع طاعة فرعون والتثاقل في اتباعه إلى التعجيل بالامتثال له كما يخف الشيء بعد التثاقل.
والمعنى يرجع إلى أنه استخف عقولهم فأسرعوا إلى التصديق بما قاله بعد أن صدّقوا موسى في نفوسهم لمّا رأوا آياته نزولا ورفعا. والمراد ب (قَوْمَهُ) هنا بعض القوم ، وهم الذين حضروا مجلس دعوة موسى هؤلاء هم الملأ الذين كانوا في صحبة فرعون.
والسين والتاء في استخف لمبالغة في أخفّ مثل قوله تعالى : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) [آل عمران : ١٥٥] وقولهم : هذا فعل يستفزّ غضب الحليم.
وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) في موضع العلة لجملة (فَأَطاعُوهُ) كما هو شأن (إنّ) إذا جاءت في غير مقام التأكيد فإن كونهم قد كانوا فاسقين أمر بيّن ضرورة أن موسى جاءهم فدعاهم إلى ترك ما كانوا عليه من عبادة الأصنام فلا يقتضي في المقام تأكيد كونهم فاسقين ، أي كافرين. والمعنى : أنهم إنما خفّوا لطاعة رأس الكفر لقرب عهدهم بالكفر لأنهم كانوا يؤلّهون فرعون فلما حصل لهم تردّد في شأنه ببعثة موسى عليهالسلام لم يلبثوا أن رجعوا إلى طاعة فرعون بأدنى سبب.