والمراد بالفسق هنا : الكفر ، كما قال في شأنهم في آية الأعراف [١٤٥] (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ).
[٥٥ ، ٥٦] (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦))
عقب ما مضى من القصة بالمقصود وهو هذه الأمور الثلاثة المترتبة المتفرع بعضها على بعض وهي : الانتقام ، فالإغراق ، فالاعتبار بهم في الأمم بعدهم.
والأسف : الغضب المشوب بحزن وكدر ، وأطلق على صنيع فرعون وقومه فعل (آسَفُونا) لأنه فعل يترتب عليه انتقام الله منهم انتقاما كانتقام الآسف لأنهم عصوا رسوله وصمّموا على شركهم بعد ظهور آيات الصدق لموسى عليهالسلام.
فاستعير (آسَفُونا) لمعنى عصونا للمشابهة ، والمعنى : فلما عصونا عصيان العبد ربّه المنعم عليه بكفران النعمة ، والله يستحيل عليه أن يتصف بالآسف كما يستحيل عليه أن يتصف بالغضب على الحقيقة ، فيؤول المعنى إلى أن الله عاملهم كما يعامل السيد المأسوف عبدا آسفه فلم يترك لرحمة سيده مسلكا. وفعل أسف قاصر فعدّي إلى المفعول بالهمزة.
وفي قوله : (فَلَمَّا آسَفُونا) إيجاز لأن كونهم مؤسفين لم يتقدم له ذكر حتى يبنى أنه كان سببا للانتقام منهم فدلّ إناطة أداة التوقيت به على أنه قد حصل ، والتقدير : فآسفونا فلما آسفونا انتقمنا منهم. والانتقام تقدم معناه قريبا عند قوله تعالى : (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) [الزخرف : ٤١].
وإنما عطف (فَأَغْرَقْناهُمْ) بالفاء على (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) مع أن إغراقهم هو عين الانتقام منهم ، إمّا لأن فعل (انْتَقَمْنا) مؤوّل بقدّرنا الانتقام منهم فيكون عطف (فَأَغْرَقْناهُمْ) بالفاء كالعطف في قوله : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، وإما أن تجعل الفاء زائدة لتأكيد تسبب (آسَفُونا) في الإغراق ، وأصل التركيب : انتقمنا منهم فأغرقناهم ، على أن جملة (فَأَغْرَقْناهُمْ) مبينة لجملة (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فزيدت الفاء لتأكيد معنى التبيين ، وإما أن تجعل الفاء عاطفة جملة (انْتَقَمْنا) على جملة (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) [الزخرف : ٥٤] (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) وتكون جملة (انْتَقَمْنا) معترضة بين الجملة المفرعة والمفرعة عنها ، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي