الْيَمِ) [الأعراف : ١٣٦].
وفرع على إغراقهم أن الله جعلهم سلفا لقوم آخرين ، أي يأتون بعدهم. والسلف بفتح السين وفتح اللام في قراءة الجمهور : جمع سالف مثل : خدم لخادم ، وحرس لحارس. والسالف الذي يسبق غيره في الوجود أو في عمل أو مكان ، ولما ذكر الانتقام كان المراد بالسلف هنا السالف في الانتقام ، أي أنّ من بعدهم سيلقون مثل ما لقوا. وقرأ حمزة وحده والكسائي (سَلَفاً) بضم السين وضم اللام وهو جمع سليف اسم للفريق الذي سلف ومضى.
والمثل : النظير والمشابه ، يقال : مثل بفتحتين كما يقال شبه ، أي مماثل. قال أبو علي الفارسي : المثل واحد يراد به الجمع. وأطلق المثل على لازمه على سبيل الكناية ، أي جعلناهم عبرة للآخرين يعلمون أنهم إن عملوا مثل عملهم أصابهم مثل ما أصابهم. ويجوز أن يكون المثل هنا بمعنى الحديث العجيب الشأن الذي يسير بين النّاس مسير الأمثال ، أي جعلناهم للآخرين حديثا يتحدثون به ويعظهم به محدّثهم.
ومعنى الآخرين ، النّاس الذين هم آخر مماثل لهم في حين هذا الكلام فتعين أنهم المشركون المكذبون للرّسول صلىاللهعليهوسلم فإن هؤلاء هم آخر الأمم المشابهة لقوم فرعون في عبادة الأصنام وتكذيب الرّسول. ومعنى الكلام : فجعلناهم سلفا لكم ومثلا لكم فاتّعظوا بذلك.
ويتعلق (لِلْآخِرِينَ) ب (سَلَفاً وَمَثَلاً) على وجه التنازع.
[٥٧ ، ٥٨] (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨))
عطف قصة من أقاصيص كفرهم وعنادهم على ما مضى من حكاية أقاويلهم ، جرت في مجادلة منهم مع النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذا تصدير وتمهيد بين يدي قوله : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) [الزخرف : ٦٣] الآيات الذي هو المقصود من عطف هذا الكلام على ذكر رسالة موسى عليهالسلام.
واقتران الكلام بلما المفيدة وجود جوابها عند وجود شرطها ، أو توقيته ، يقتضي أن مضمون شرط لما معلوم الحصول ومعلوم الزمان فهو إشارة إلى حديث جرى بسبب مثل ضربه ضارب لحال من أحوال عيسى ، على أن قولهم (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يحتمل أن