(جَدَلاً) على المفعول لأجله ، أي ما ضربوه لشيء إلّا للجدل ، ويجوز أن ينصب على الحال بتأويله بمجادلين أي ما ضربوه في حال من أحوالهم إلا في حال أنهم مجادلون لا مؤمنون بذلك.
وقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) إضراب انتقالي إلى وصفهم بحب الخصام وإظهارهم من الحجج ما لا يعتقدونه تمويها على عامتهم.
والخصم بكسر الصاد : شديد التمسك بالخصومة واللجاج مع ظهور الحق عنده ، فهو يظهر أن ذلك ليس بحق.
وقرأ الجمهور (آلِهَتُنا) بتسهيل الهمزة الثانية. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي بتخفيفها.
(إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩))
لما ذكر ما يشير إلى قصة جدال ابن الزبعرى في قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] ، وكان سبب جداله هو أن عيسى قد عبد من دون الله لم يترك الكلام ينقضي دون أن يردف بتقرير عبودية عيسى لهذه المناسبة ، إظهارا لخطل رأي الذين ادعوا إلهيته وعبدوه وهم النصارى حرصا على الاستدلال للحق.
وقد قصر عيسى على العبودية على طريقة قصر القلب للرد على الذين زعموه إلها ، أي ما هو إلا عبد لا إله لأن الإلهية تنافي العبودية. ثم كان قوله : (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) إشارة إلى أنه قد فضل بنعمة الرسالة ، أي فليست له خصوصية مزية على بقية الرسل ، وليس تكوينه بدون أب إلّا إرهاصا.
وأما قوله : (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) فهو إبطال لشبهة الذين ألّهوه بتوهمهم أن كونه خلق بكلمة من الله يفيد أنه جزء من الله فهو حقيق بالإلهية ، أي كان خلقه في بطن أمه دون أن يقربها ذكر ليكون عبرة عجيبة في بني إسرائيل لأنهم كانوا قد ضعف إيمانهم بالغيب وبعد عهدهم بإرسال الرّسل فبعث الله عيسى مجدّدا للإيمان بينهم ، ومبرهنا بمعجزاته على عظم قدرة الله ، ومعيدا لتشريف الله بني إسرائيل إذ جعل فيهم أنبياء ليكون ذلك سببا لقوة الإيمان فيهم ، ومظهرا لفضيلة أهل الفضل الذين آمنوا به ولعناد الذين منعهم الدفع عن حرمتهم من الاعتراف بمعجزاته فناصبوه العداء وسعوا للتنكيل به وقتله فعصمه الله منهم ورفعه من بينهم فاهتدى به أقوام وافتتن به آخرون. فالمثل هنا بمعنى