وقد صيغ النهي عن اتباع الشيطان في صدّه إياهم بصيغة نهي الشيطان عن أن يصدهم ، للإشارة إلى أن في مكنتهم الاحتفاظ من الارتباق في شباك الشيطان ، فكني بنهي الشيطان عن صدّهم عن نهيهم عن الطاعة له بأبلغ من توجيه النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم ، على طريقة قول العرب : لا أعرفنّك تفعل كذا ، ولا ألفينّك في موضع كذا.
وجملة (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) تعليل للنهي عن أن يصدهم الشيطان فإن شأن العاقل أن يحذر من مكائد عدوه. وعداوة الشيطان للبشر ناشئة من خبث كينونته مع ما انضمّ إلى ذلك الخبث من تنافي العنصرين فإذا التقى التنافي مع خبث الطبع نشأ من مجموعهما القصد بالأذى ، وقد أذكى تلك العداوة حدث قارن نشأة نوع الإنسان عند تكوينه ، في قصته مع آدم كما قصه القرآن غير مرة. وحرف (إنّ) هنا موقعه موقع فاء التسبب في إفادة التعليل.
[٦٣ ، ٦٤] (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤))
قد علمت آنفا أن هذا هو المقصود من ذكر عيسى عليهالسلام فهو عطف على قصة إرسال موسى.
ولم يذكر جواب (لَمَّا) فهو محذوف لدلالة بقية الكلام عليه. وموقع حرف (لَمَّا) هنا أن مجيء عيسى بالبينات صار معلوما للسامع مما تقدم في قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الزخرف : ٥٩] الآية ، أي لما جاءهم عيسى اختلف الأحزاب فيما جاء به ، فحذف جواب (لَمَّا) لأن المقصود هو قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف : ٦٥] لأنه يفيد أن سنن الأمم المبعوث إليهم الرسل لم يختلف فإنه لم يخل رسول عن قوم آمنوا به وقوم كذبوه ثم كانوا سواء في نسبة الشركاء في الإلهية بمزاعم النصارى أن عيسى ابن لله تعالى كما أشار إليه قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) [الزخرف : ٦٥] أي أشركوا كما هو اصطلاح القرآن غالبا. فتم التشابه بين الرسل السابقين وبين محمد صلى الله عليهم أجمعين ، فحصل في الكلام إيجاز تدل عليه فاء التفريع.
وفي قصة عيسى مع قومه تنبيه على أن الإشراك من عوارض أهل الضلالة لا يلبث أن يخامر نفوسهم وإن لم يكن عالقا بها من قبل ، فإن عيس بعث إلى قوم لم يكونوا