وضمير (جِئْناكُمْ) للملائكة ، والحق : الوحي الذي نزل به جبريل فنسب مالك المجيء بالحق إلى جمع الملائكة على طريقة اعتزاز الفريق والقبيلة بمزايا بعضها ، وهي طريقة معروفة في كلام العرب كقول الحارث بن حلزة :
وفككنا غلّ امرئ القيس عنه |
|
بعد ما طال حبسه والعناء (١) |
وإنما نسبت كراهة الحق إلى أكثرهم دون جميعهم لأن المشركين فريقان أحدهما سادة كبراء لملة الكفر وهم الذين يصدون الناس عن الإيمان بالإرهاب والترغيب مثل أبي جهل حين صدّ أبا طالب عند احتضاره عن قول لا إله إلا الله وقال : أترغب عن ملة عبد المطلب ، وثانيهما دهماء وعامة وهم تبع لأئمة الكفر. وقد أشارت إلى ذلك آيات كثيرة منها قوله في سورة البقرة [١٦٦] (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الآيات فالفريق الأول هم المراد من قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) وأولئك إنما كرهوا الحق لأنه يرمي إلى زوال سلطانهم وتعطيل منافعهم.
وتقديم (لِلْحَقِ) على (كارِهُونَ) للاهتمام بالحق تنويها به ، وفيه إقامة الفاصلة أيضا.
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩))
(أَمْ) منقطة للإضراب الانتقالي من حديث إلى حديث مع اتحاد الغرض. انتقل من حديث ما أعد لهم من العذاب يوم القيامة ما أعد لهم من الخزي في الدنيا. فالجملة عطف على جملة (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) [الزخرف : ٦٦] إلخ.
والكلام بعد (أَمْ) استفهام حذفت منه أداة الاستفهام وهو استفهام تقريري وتهديد ، أي أأبرموا أمرا. وضمير (أَبْرَمُوا) مراد به المشركون الذين ناوءوا النبيصلىاللهعليهوسلم. وضمير (إنّا) ضمير الجلالة.
والفاء في قوله : (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) للتفريع على ما اقتضاه الاستفهام من تقدير حصول المستفهم عنه فيؤول الكلام إلى معنى الشرط ، أي إن أبرموا أمرا من الكيد فإن الله مبرم لهم أمرا من نقض الكيد وإلحاق الأذى بهم ، ونظيره وفي معناه قوله : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً
__________________
(١) يريد إمرأ القيس بن المنذر أخا عمرو بن هند وكان : أسره ملك من غسان فأغار عمرو بن هند أخوه في جيش من بكر بن وائل قبيلة الشاعر وقتلوا الملك وأنقذوا إمرأ القيس.