يَصِفُونَ) [الزخرف : ٨٢].
وقد تأكد انفراده بربوبية أعظم الموجودات ثلاث مرات بقوله : (رَبِّ الْعَرْشِ) [الزخرف : ٨٢] وقوله : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] وقوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).
فكم من خصائص ونكت تنهال على المتدبر من آيات القرآن التي لا يحيط بها إلا الحكيم العليم.
ولما كان قوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مفيدا التصرف في هذه العوالم مدة وجودها ووجود ما بينها أردفه بقوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للدلالة على أن له مع ملك العوالم الفانية ملك العوالم الباقية ، وأنه المتصرف في تلك العوالم بما فيها بالتنعيم والتعذيب ، فكان قوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) توطئة لقوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإدماجا لإثبات البعث. وتقديم المجرور في (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) لقصد التقوّي إذ ليس المخاطبون بمثبتين رجعى إلى غيره فإنهم لا يؤمنون بالبعث أصلا.
وأما قولهم للأصنام (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] فمرادهم أنهم شفعاء لهم في الدنيا أو هو على سبيل الجدل ولذلك أتبع بقوله : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) [الزخرف : ٨٦].
وقرأ الجمهور (تُرْجَعُونَ) بالفوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمباشرة بالتهديد. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالتحتية تبعا لأسلوب الضمائر التي قبله ، وهم متفقون على أنه مبني للمجهول.
(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦))
لما أنبأهم أن لله ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة أعلمهم أن ما يعبدونه من دون الله لا يقدر على أن يشفع لهم في الدنيا إبطالا لزعمهم أنهم شفعاؤهم عند الله. ولما كان من جملة من عبدوا دون الله الملائكة استثناهم بقوله : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي فهم يشفعون ، وهذا في معنى قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] ثم قال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ، وقد