إعلامه بذلك بما سبق من آي القرآن أو بوحي غير القرآن. ويجوز أن يكون موجها إلى الرّسول صلىاللهعليهوسلم أصالة ويكون علم المشركين بما يحتوي عليه حاصلا تبعا بطريق التعريض ، ويكون التوكيد منظورا فيه إلى الغرض التعريضي.
ومفعول (مُرْسِلِينَ) محذوف دل عليه مادة اسم الفاعل ، أي مرسلين الرسل. و (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مفعول له من (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي كنّا مرسلين لأجل رحمتنا ، أي بالعباد المرسل إليهم لأن الإرسال بالإنذار رحمة بالناس ليتجنبوا مهاوي العذاب ويكتسبوا مكاسب الثواب ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧]. ويجوز أن يكون (رَحْمَةً) حالا من الضمير المنصوب في (أَنْزَلْناهُ).
وإيراد لفظ الربّ في قوله : (مِنْ رَبِّكَ) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقول : رحمة منا. وفائدة هذا الإظهار الإشعار بأن معنى الربوبية يستدعي الرحمة بالمربوبين ثم إضافة (ربّ) إلى ضمير الرّسول صلىاللهعليهوسلم صرف للكلام عن مواجهة المشركين إلى مواجهة النبي صلىاللهعليهوسلم بالخطاب لأنه الذي جرى خطابهم هذا بواسطته فهو كحاضر معهم عند توجيه الخطاب إليهم فيصرف وجه الكلام تارة إليه كما في قوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٩] وهذا لقصد التنويه بشأنه بعد التنويه بشأن الكتاب الذي جاء به.
وإضافة الربّ إلى ضمير الرّسول صلىاللهعليهوسلم ليتوصل إلى حظ له في خلال هذه التشريعات بأن ذلك كله من ربّه ، أي بواسطته فإنه إذا كان الإرسال رحمة كان الرسول صلىاللهعليهوسلم رحمة قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] ، ويعلم من كونه ربّ الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه رب الناس كلهم إذ لا يكون الرّب رب بعض الناس دون بعض فأغنى عن أن يقول : رحمة من ربّك وربهم ، لأن غرض إضافة رب إلى ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم يأبى ذلك ، ثم سيصرح بأنه ربّهم في قوله (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الدخان : ٨] وهو مقام آخر سيأتي بيانه.
وجملة (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعليل لجملة (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي كنا مرسلين رحمة بالناس لأنه علم عبادة المشركين للأصنام وعلم إغواء أئمة الكفر للأمم وعلم ضجيج الناس من ظلم قويّهم ضعيفهم وعلم ما سوى ذلك من أقوالهم فأرسل الرسل لتقويمهم وإصلاحهم وعلم أيضا نوايا الناس وأفعالهم وإفسادهم في الأرض فأرسل الرّسل بالشرائع لكف الناس عن الفساد وإصلاح عقائدهم وأعمالهم ، فأشير إلى علم النوع الأول