الاستسقاء الذي في «الصحيح» أن رجلا جاء يوم الجمعة والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب فقال : يا رسول الله هلك الزرع والضرع فادع الله أن يسقينا فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا ثلاثا ، وما يرى في السماء قزعة سحاب ، فتلبدت السماء بالسحاب وأمطروا من الجمعة إلى الجمعة حتى سالت الأودية وسال وادي قناة شهرا ، فأتاه آت في الجمعة القابلة هو الأول أو غيره ، فقال : يا رسول الله تقطعت السبل فادع الله أن يمسك المطر عنا ، فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فتفرقت السحب حتى صارت المدينة في شبه الإكليل من السحاب.
والجمع بين الروايتين ظاهر. ويظهر أن هذا القحط وقع بعد يوم بدر فهو قحط آخر غير قحط قريش الذي ذكر في هذه الآية.
ومعنى (يَغْشَى النَّاسَ) أنه يحيط بهم ويعمّهم كما تحيط الغاشية بالجسد ، أي لا ينجو منه أحد من أولئك الناس وهم المشركون. فإن كان المراد من الدخان ما أصاب أبصارهم من رؤية مثل الغبرة من الجوع فالغشيان مجاز ، وإن كان المراد منه غبار الحرب يوم الفتح فالغشيان حقيقة أو مجاز مشهور. ويجوز أن يكون غبارا متصاعدا في الجو من شدة الجفاف.
وقوله : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) قال ابن عطية يجوز أن يكون إخبارا من جانب الله تعالى تعجيبا منه كما في قوله تعالى في قصة الذبيح (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [الصافات : ١٠٦]. ويحتمل أن يكون ذلك من قول الناس الذين يغشاهم العذاب بتقدير : يقولون: هذا عذاب أليم. والإشارة في (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) إلى الدخان المذكور آنفا ، عدل عن استحضاره بالإضمار وأن يقال : هو عذاب أليم ، إلى استحضاره بالإشارة ، لتنزيله منزلة الحاضر المشاهد تهويلا لأمره كما تقول : هذا الشتاء قادم فأعدّ له.
وقريب منه الأمر بالنظر في قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الأنعام: ٢٤] فإن المحكي مما يحصل في الآخرة.
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢))
هذه جملة معترضة بين جملة (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [الدخان : ١١] وجملة (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) [الدخان : ١٣] فهي مقول قول محذوف. وحملها جميع المفسرين على أنها حكاية قول الذين يغشاهم العذاب بتقدير يقولون : ربّنا اكشف عنا العذاب ، أي هو وعد صادر من النّاس الذين يغشاهم العذاب بأنهم يؤمنون إن كشف عنهم العذاب أي فيكون مثل قوله