الانتقام منهم هو البطشة الكبرى ، وهي الانتقام التامّ ، ولأجل هذا التطلع والتساؤل أكدا بخبر بحرف التأكيد دفعا للتردد.
وأصل تركيب الجملة : إنا منتقمون يوم نبطش البطشة الكبرى ، ف (يَوْمَ) منصوب على المفعول فيه لاسم الفاعل وهو (مُنْتَقِمُونَ).
وتقدم على عامله للاهتمام به لتهويله ولا يمنع من هذا التعليق أن العامل في الظرف خبر عن (إنّ) بناء على الشائع من كلام النحاة أن ما بعد (إنّ) لا يعمل فيما قبلها فإن الظروف ونحوها يتوسع فيها.
و (الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) : هي بطشة يوم بدر فإن ما أصاب صناديد المشركين يومئذ كان بطشة بالشرك وأهله لأنهم فقدوا سادتهم وذوي الرأي منهم الذين كانوا يسيّرون أهل مكة كما يريدون.
والبطشة : واحدة البطش وهو : الأخذ الشديد بعنف ، وتقدم في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) في سورة الأعراف [١٩٥].
[١٧ ـ ٢١] (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١))
جعل الله قصة قوم فرعون مع موسى عليهالسلام وبني إسرائيل مثلا لحال المشركين مع النبيصلىاللهعليهوسلم والمؤمنين به ، وجعل ما حلّ بهم إنذارا بما سيحلّ بالمشركين من القحط والبطشة مع تقريب حصول ذلك وإمكانه ويسره وإن كانوا في حالة قوة فإن الله قادر عليهم ، كما قال تعالى : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) [الزخرف : ٨] فذكرها هنا تأييد للنبي ووعد له بالنصر وحسن العاقبة ، وتهديد للمشركين.
وهذا المثل وإن كان تشبيها لمجموع الحالة بالحالة فهو قابل للتوزيع بأن يشبّه أبو جهل بفرعون ، ويشبه أتباعه بملإ فرعون وقومه أو يشبه محمد صلىاللهعليهوسلم بموسى عليهالسلام ، ويشبه المسلمون ببني إسرائيل. وقبول المثل لتوزيع التشبيه من محاسنه.
وموقع جملة (وَلَقَدْ فَتَنَّا) يجوز أن يكون موقع الحال فتكون الواو للحال وهي حال من ضمير (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦]. ويجوز أن تكون معطوفة على جملة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)