من الإسراء ببني إسرائيل وما معه من اتباع فرعون إياهم وانفلاق البحر وإزلاف بني إسرائيل واقتحام فرعون بجنوده البحر ، وانضمام البحر عليهم قد تم ، ففي الكلام إيجاز حذف جمل كثيرة يدل عليها (كَمْ تَرَكُوا).
و (كَمْ) اسم لعدد كثير مبهم يفسّر نوعه مميز بعد (كَمْ) مجرور ب (مِنْ) مذكورة أو محذوفة. وحكم (كَمْ) كالأسماء تكون على حسب العوامل. وإذ كان لها صدر الكلام لأنها في الأصل استفهام فلا تكون خبر مبتدأ ولا خبر (كان) ولا (إنّ) وإذا كانت معمولة للأفعال وجب تقديمها على عاملها. وانتصب (كَمْ) هنا على المفعول به ل (تَرَكُوا) أي تركوا كثيرا من جنات. و (مِنْ) مميزة لمبهم العدد في (كَمْ).
والمقام بفتح الميم : مكان القيام ، والقيام هنا مجاز في معنى التمكن من المكان.
والكريم من كل نوع أنفسه وخيره ، والمراد به : المساكن والديار والأسواق ونحوها مما كان لهم في مدينة (منفسين).
والنّعمة بفتح النون : اسم للتنعم مصوغ على وزنة المرة. وليس المراد به المرة بل مطلق المصدر باعتبار أن مجموع أحوال النعيم صار كالشيء الواحد وهو أبلغ وأجمع في تصوير معنى المصدر ، وهذا هو المناسب لفعل (تَرَكُوا) لأن المتروك هو أشخاص الأمور التي ينعم بها وليس المتروك وهو المعنى المصدري.
و (فاكِهِينَ) متصفين بالفكاهة بضم الفاء وهي اللعب والمزح ، أي كانوا مغمورين في النعمة لاعبين في تلك النعمة. وقرأ الجمهور (فاكِهِينَ) بصيغة اسم الفاعل. وقرأه حفص وأبو جعفر (فَكِهِينَ) بدون ألف على أنه صفة مشبهة.
وقوله : (كَذلِكَ) راجع لفعل (تَرَكُوا). والتقدير : تركا مثل ذلك الترك.
والإشارة إلى مقدر دل عليه الكلام ومعنى الكاف ، وهذا التركيب تقدم الكلام عليه عند قوله : (كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) في سورة الكهف [٩١].
(وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ).
عطف على (تَرَكُوا) أي تركوها وأورثناها غيرهم ، أي لفرعون الذي ولي بعد موت منفطا وسمي صطفا منفطا وهو أحد أمراء فرعون منفطا تزوج ابنة منفطا المسماة طوسير التي خلفت أباها منفطا على عرش مصر ، ولكونه من غير نسل فرعون وصف هو وجنده