بقوم آخرين ، وليس المراد بقوله : (قَوْماً آخَرِينَ) قوما من بني إسرائيل ، ألا ترى أنه أعيد الاسم الظاهر في قوله عقبه (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) [الدخان : ٣٠] ، ولم يقل ولقد نجيناهم.
ووقع في آية الشعراء (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٥٧ ـ ٥٩] والمراد هنالك أن أنواعا مما أخرجنا منه قوم فرعون أورثناها بني إسرائيل ، ولم يقصد أنواع تلك الأشياء في خصوص أرض فرعون. ومناسبة ذلك هنالك أن القومين أخرجا مما كانا فيه ، فسلب أحد الفريقين ما كان له دون إعادة لأنهم هلكوا ، وأعطي الفريق الآخر أمثال ذلك في أرض فلسطين ، ففي قوله : (وَأَوْرَثْناها) تشبيه بليغ وانظر آية سورة الشعراء.
(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩))
تفريع على قوله : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) إلى قوله : (قَوْماً آخَرِينَ) [الدخان: ٢٥ ـ ٢٨] ، فإن ذلك كله يتضمن أنهم هلكوا وانقرضوا ، أي فما كان مهلكهم إلا كمهلك غيرهم ولم يكن حدثا عظيما كما كانوا يحسبون ويحسب قومهم ، وكان من كلام العرب إذا هلك عظيم أن يهوّلوا أمر موته بنحو : بكت عليه السماء ، وبكته الريح ، وتزلزلت الجبال ، قال النابغة في توقع موت النعمان بن المنذر من مرضه :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك |
|
ربيع الناس والبلد الحرام |
وقال في رثاء النعمان بن الحارث الغساني :
بكى حارث الجولان من فقد ربه |
|
وحوران منه موحش متضائل |
والكلام مسوق مساق التحقير لهم ، وقريب منه قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) [إبراهيم : ٤٦] ، وهو طريقة مسلوكة وكثر ذلك في كلام الشعراء المحدثين ، قال أبو بكر بن اللّبّانة الأندلسي في رثاء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية :
تبكي السماء بمزن رائح غاد |
|
على البهاليل من أبناء عباد |
والمعنى : فما كان هلاكهم إلا كهلاك غيرهم ولا أنظروا بتأخير هلاكهم بل عجّل لهم الاستئصال.
[٣٠ ، ٣١] (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً