فحصلت مبالغتان في قوله : (عَذابَ الْخِزْيِ) مبالغة الوصف بالمصدر ، ومبالغة إضافة الموصوف إلى الصفة.
وجملة (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) احتراس لئلا يحسب السامعون أن حظ أولئك من العقاب هو عذاب الإهلاك بالريح فعطف عليه الإخبار بأن عذاب الآخرة أخزى ، أي لهم ولكل من عذّب عذابا في الدنيا لغضب الله عليه. وأخزى : اسم تفضيل جرى على غير قياس ، وقياسه أن يقال : أشد إخزاء ، لأنه لا يقال : خزاه ، بمعنى أخزاه ، أي أهانه ، ومثل هذا في صوغ اسم التفضيل كثير في الاستعمال.
وجملة (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) تذييل ، أي لا ينصرهم من يدفع العذاب عنهم ، ولا من يشفع لهم ، ولا من يخرجهم منه بعد مهلة.
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧))
بقية التفصيل الذي في قوله : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا) [فصلت : ١٥].
ولما كان حال الأمتين واحدا في عدم قبول الإرشاد من جانب الله تعالى كما أشار إليه قوله تعالى : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [فصلت : ١٤] كان الإخبار عن ثمود بأن الله هداهم مقتضيا أنه هدى عادا مثل ما هدى ثمود وأن عادا استحبوا العمى على الهدى مثل ما استحبت ثمود. والمعنى : وأما ثمود فهديناهم هداية إرشاد برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم من الأرض.
فالمراد بالهداية هنا : الإرشاد التكليفي ، وهي غير ما في قوله : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) [الزمر : ٣٧] فإن تلك الهداية التكوينية لمقابلته بقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [غافر : ٣٣].
واستحبوا العمى معناه : أحبّوا ، فالسين والتاء للمبالغة مثلهما في قوله : (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [فصلت : ١٥] ، أي كان العمى محبوبا لهم. والعمى : هنا مستعار للضلال في الرأي ، أي اختاروا الضلال بكسبهم. وضمن (استحبوا) معنى : فضّلوا ، وهيّأ لهذا التضمين اقترانه بالسين والتاء للمبالغة لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات فلذلك عدّي (استحبوا) بحرف (عَلَى) ، أي رجحوا