وحضرموت ، فلا يطلق على الملك لقب تبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة. قيل سمّوه تبّعا باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس ، ومعنى ذلك : أنه يسير بغزواته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس ، كما قال تعالى في ذي القرنين (فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) إلى قوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) [الكهف : ٨٥ ـ ٩٠] ، وقيل لأنه تتبعه ملوك مخاليف اليمن ، وتخضع له جميع الأقيال والأذواء من ملوك مخاليف اليمن وأذوائه ، فلذلك لقّب تبّعا لأنه تتبعه الملوك.
وتبّع المراد هنا المسمّى أسعد والمكنّى أبا كرب ، كان قد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق. ويقال : إنه الذي بنى مدينة الحيرة في العراق ، وكانت دولة تبّع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية ، وقيل كان في حدود السبعمائة قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم. وتعليق الإهلاك بقوم تبّع دونه يقتضي أن تبّعا نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه ، قالت عائشة : ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يذمه.
والمروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم في مسند أحمد وغيره أنه قال : «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم وفي رواية كان مؤمنا» ، وفسره بعض العلماء بأنه كان على دين إبراهيم عليهالسلام وأنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبرين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها وذلك يقتضي نجاته من الإهلاك. ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه.
وجملة (أَهْلَكْناهُمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ما ذا أريد به. وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) تعليل لمضمون جملة (أَهْلَكْناهُمْ) ، أي أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم ، أي شركهم.
[٣٨ ، ٣٩] (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩))
عطف على جملة (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) [الدخان : ٣٤ ، ٣٥] ردّا عليهم كما علمته آنفا. والمعنى : أنه لو لم يكن بعث وجزاء لكان خلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ، ونحن خلقنا ذلك كله بالحق ، أي بالحكمة كما دل عليه إتقان نظام الموجودات ، فلا جرم اقتضى خلق ذلك أن يجازى كل فاعل على فعله وأن لا يضاع ذلك ، ولما كان المشاهد أن كثيرا من النّاس يقضي حياته ولا يرى لنفسه جزاء على أعماله تعيّن أن الله أخّر جزاءهم إلى حياة أخرى وإلا لكان خلقهم في بعض أحواله من قبيل