اللعب.
وذكر اللعب توبيخ للذين أحالوا البعث والجزاء بأنهم اعتقدوا ما يفضي بهم إلى جعل أفعال الحكيم لعبا ، وقد تقدم وجه الملازمة عند تفسير قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) في سورة المؤمنون [١١٥] وعند قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) في سورة ص [٢٧].
و (لاعِبِينَ) حال من ضمير (خَلَقْنَا) ، والنفي متوجه إلى هذا الحال فاقتضى نفي أن يكون شيء من خلق ذلك في حالة عبث فمن ذلك حالة إهمال الجزاء.
وجملة (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) بدل اشتمال من جملة (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ).
والباء في (بِالْحَقِ) للملابسة ، أي خلقنا ذلك ملابسا ومقارنا للحق ، أو الباء للسببية ، أي بسبب الحق ، أي لإيجاد الحق من خلقهما.
والحق : ما يحق وقوعه من عمل أو قول ، أي يجب ويتعين لسببية أو تفرع أو مجازاة ، فمن الحق الذي خلقت السماوات والأرض وما بينهما لأجله مكافأة كل عامل بما يناسب عمله ويجازيه ، وتقدم عند قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) في سورة الروم [٨].
والاستدراك في قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ناشئ عما أفاده نفي أن يكون خلق المخلوقات لعبا وإثبات أنه للحق لا غير من كون شأن ذلك أن لا يخفى ولكن جهل المشركين هو الذي سوّل لهم أن يقولوا (ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) [الدخان : ٣٥].
وجملة الاستدراك تذييل ، وقريب من معنى الآية قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) في آخر سورة الحجر [٨٥].
[٤٠ ـ ٤٢] (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢))
هذه الجملة تتنزل من التي قبلها منزلة النتيجة من الاستدلال ولذلك لم تعطف ، والمعنى : فيوم الفصل ميقاتهم إعلاما لهم بأن يوم القضاء هو أجل الجزاء ، فهذا وعيد لهم وتأكيد الخبر لرد إنكارهم.