فمحصل المعنى أنه لا يغني موال عن مواليه بشيء من الإغناء حسب مستطاعه ولا ينصرهم ناصر شديد الاستطاعة هو أقوى منهم يدفع عنهم غلب القوي عليهم ، فالله هو الغالب لا يدفعه غالب. وبني فعل (يُنْصَرُونَ) إلى المجهول ليعم نفي كل ناصر مع إيجاز العبارة.
والاستثناء بقوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) وقع عقب جملتي (لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) فحق بأن يرجع إلى ما يصلح للاستثناء منه في تينك الجملتين. ولنا في الجملتين ثلاثة ألفاظ تصلح لأن يستثنى منها وهي (مَوْلًى) الأول المرفوع بفعل (يُغْنِي) ، و (مَوْلًى) الثاني المجرور بحرف (عَنْ) ، وضمير (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، فالاستثناء بالنسبة إلى الثلاثة استثناء متصل ، أي إلا من رحمة الله من الموالي ، أي فإنه يأذن أن يشفع فيه ، ويأذن للشافع بأن يشفع كما قال تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سبإ : ٢٣] وقال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨]. وفي حديث الشفاعة أنه يقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سل تعطه واشفع تشفّع». والشفاعة : إغناء عن المشفوع فيه. والشفعاء يومئذ أولياء للمؤمنين فإن من الشفعاء الملائكة وقد حكى الله عنهم قولهم للمؤمنين (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [فصلت : ٣١].
وقيل هو استثناء منقطع لأن من رحمهالله ليس داخلا في شيء قبله مما يدل على أهل المحشر ، والمعنى : لكن من رحمهالله لا يحتاج إلى من يغني عنه أو ينصره وهذا قول الكسائي والفراء.
وأسباب رحمة الله كثيرة مرجعها إلى رضاه عن عبده وذلك سر يعلمه الله.
وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) استئناف بياني هو جواب مجمل عن سؤال سائل عن تعيين من رحمهالله ، أي أن الله عزيز لا يكرهه أحد على العدول عن مراده ، فهو يرحم من يرحمه بمحض مشيئته وهو رحيم ، أي واسع الرحمة لمن يشاء من عباده على وفق ما جرى به علمه وحكمته ووعده. وفي الحديث : «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
[٤٣ ـ ٥٠] (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ