باختيارهم. وتعليق (عَلَى الْهُدى) بفعل (استحبوا) لتضمينه معنى : فضّلوا وآثروا.
وفرع عليه (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) ، وكان العقاب مناسبا للجرم لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى ، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى ، فكان جزاؤهم بالصاعقة لأنها تعمي أبصارهم في حين تهلكهم قال تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) [البقرة : ٢٠].
والأخذ : مستعار للإصابة المهلكة لأنها اتصال بالمهلك يزيله من الحياة فكأنه أخذ باليد.
والصاعقة : الصيحة التي تنشأ في كهربائية السحاب الحامل للماء فتنقدح منها نار تهلك ما تصيبه. وإضافة (صاعِقَةُ) إلى (الْعَذابِ) للدلالة على أنها صاعقة تعرّف بطريق الإضافة إذ لا يعرّف بها إلا ما تضاف إليه ، أي صاعقة خارقة لمعتاد الصواعق ، فهي صاعقة مسخرة من الله لعذاب ثمود ، فإن أصل معنى الإضافة أنها بتقدير لام الاختصاص فتعريف المضاف لا طريق له إلا بيان اختصاصه بالمضاف إليه.
و (الْعَذابِ) هو : الإهلاك بالصعق ، ووصف ب (الْهُونِ) كما وصف العذاب بالخزي في قوله : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) [فصلت : ١٦] ، أي العذاب الذي هو سبب الهون. و (الْهُونِ) : الهوان وهو الذل ، ووجه كونه هوانا أنه إهلاك فيه مذلة إذ استؤصلوا عن بكرة أبيهم وتركوا صرعى على وجه الأرض كما بيناه في مهلك عاد. أي أخذتهم الصاعقة بسبب كسبهم في اختيارهم البقاء على الضلال بإعراضهم عن دعوة رسولهم وعن دلالة آياته.
ويعلم من قوله في شأن عاد (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) [فصلت : ١٦] أن لثمود عذابا في الآخرة لأن الأمتين تماثلتا في الكفر فلم يذكر ذلك هنا اكتفاء بذكره فيما تقدم.
وهذا محسّن الاكتفاء ، وهو محسّن يرجع إلى الإيجاز.
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨))
الأظهر أنه عطف على التفصيل في قوله : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا) [فصلت : ١٥] وما عطف عليه من قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] لأن موقع هاته الجملة المتضمنة إنجاء المؤمنين من العذاب بعد أن ذكر عذاب عاد وعذاب ثمود يشير إلى أن المعنى إنجاء الذين آمنوا من قوم عاد وقوم ثمود ، فمضمون هذه الجملة فيه معنى استثناء