فهمه بفصاحته وبلاغته فقابلوه بالشك والهزء كما قصه الله في أول السورة بقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) [الدخان : ٩] أي إنا جعلنا فهمه يسيرا بسبب اللغة العربية الفصحى وهي لغتهم إلا ليتذكروا فلم يتذكروا. فمفعول (يَسَّرْناهُ) مضاف مقدر دل عليه السياق تقديره : فهمه.
والباء في (بِلِسانِكَ) للسببية ، أي بسبب لغتك ، أي العربية وفي إضافة اللسان إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم عناية بجانبه وتعظيم له ، وإلا فاللسان لسان العرب كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : ٤].
وإطلاق اللسان وهو اسم الجارحة المعروفة في الفم على اللّغة مجاز شائع لأن أهم ما يستعمل فيه اللسان الكلام قال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥].
وأفصح قوله (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) عن الأمر بالتذكير بالقرآن. والتقدير : فذكّرهم به ولا تسأم لعنادهم فيه ودم على ذلك حتى يحصل التذكر ، فالتيسير هنا تسهيل الفهم ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) إلخ في سورة مريم [٩٧].
و (لعلّ) مستعملة في التعليل ، أي لأجل أن يتذكّروا به ، وهذا كقوله : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) لتنذر (الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف : ١٢].
وفي هذا الكلام الموجز إخبار بتيسير القرآن للفهم لأن الغرض منه التذكر ، قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧] ، وبأن سبب ذلك التيسير كونه بأفصح اللغات وكونه على لسان أفضل الرسل صلىاللهعليهوسلم فلذلك كان تسببه في حصول تذكرهم تسببا قريبا لو لم يكونوا في شك يلعبون. وباعتبار هذه المعاني المتوافرة حسن أن يفرع على هذه الجملة تأييد النبي صلىاللهعليهوسلم وتهديد معانديه بقوله : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي فارتقب النصر الذي سألته بأن تعان عليهم بسنين كسنين يوسف فإنهم مرتقبون ذلك وأشد منه وهو البطشة الكبرى.
وإطلاق الارتقاب على حال المعاندين استعارة تهكمية لأن المعنى أنهم لاقون ذلك لا محالة وقد حسنها اعتبار المشاكلة بين (ارتقب) و (مُرْتَقِبُونَ).
وجملة (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) تعليل للأمر في قوله (فَارْتَقِبْ) أي ارتقب النصر بأنهم لاقوا العذاب بالقحط وقد أغنت (إنّ) التّسبب والتعليل.
وفي هذه الخاتمة ردّ العجز على الصدر إذ كان صدر السورة فيه ذكر إنزال الكتاب