الكتاب فيتهيّئون لخوض جديد من جدالهم وعنادهم ، والمؤمنون يترقبون لما يزيدهم يقينا بهذا التنزيل.
والغرض الثاني : أن يدّعى أن كون القرآن تنزيلا أمر لا يختلف فيه فالذين خالفوا فيه كأنهم خالفوا في كونه منزّلا من عند الله وهل يكون التنزيل إلا من عند الله فيؤول إلى تأكيد الإخبار بأنه منزل من عند الله إذ لا فرق بين مدلول كونه تنزيلا وكونه من عند الله إلا باختلاف مفهوم المعنيين دون ماصدقيهما على طريقة قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢].
وإيثار وصفي (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) بالذكر دون غيرهما من الأسماء الحسنى لإشعار وصف (الْعَزِيزِ) بأن ما نزل منه مناسب لعزته فهو كتاب عزيز كما وصفه تعالى بقوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) [فصلت : ٤١] ، أي هو غالب لمعانديه ، وذلك لأنه أعجزهم عن معارضته ، ولإشعار وصف (الْحَكِيمِ) بأن ما نزل من عنده مناسب لحكمته ، فهو مشتمل على دلائل اليقين والحقيقة ، ففي ذلك إيماء إلى أن إعجازه ، من جانب بلاغته إذ غلبت بلاغة بلغائهم ، ومن جانب معانيه إذ أعجزت حكمته حكمة الحكماء ، وقد تقدم مثيل هذا في طالعة سورة الزمر وقريب منه في طالعة سورة غافر.
[٣ ـ ٥] (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥))
موقع هذا الكلام موقع تفصيل المجمل لما جمعته جملة (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الجاثية : ٢] باعتبار أن آيات السماوات والأرض وما عطف عليها إنما كانت آيات للمؤمنين الموقنين ، وللذين حصل لهم العلم بسبب ما ذكرهم به القرآن ، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) [الجاثية : ٦].
وأكد ب (إِنَ) وإن كان المخاطبون غير منكريه لتنزيلهم منزلة المنكر لذلك بسبب عدم انتفاعهم بما في هذه الكائنات من دلالة على وحدانية الله تعالى وإلا فقد قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) في سورة الزّخرف [٩].
والخطاب موجه إلى المشركين ولذلك قال : (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال : (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) دون أن يقال : لآيات لكم أو آيات لكم ، أي هي آيات لمن يعلمون دلالتها من