مغلوب لتضمن لفظ (أَيَّامَ) أو (يوم) معنى الانتصار والغلب. وبذلك التضمّن كان المجرور متعلقا بلفظ (أَيَّامَ) أو (يوم) وإن كان جامدا ، فمعنى (أَيَّامَ اللهِ) على هذا هو من قبيل قولهم : أيام بني فلان ، فيحصل من محمل الرجاء على ظاهر استعماله.
ومحمل (أَيَّامَ اللهِ) على محمل أمثاله أن معنى الآية للذين لا تترقب نفوسهم أيام نصر الله ، أي نصر الله لهم : إما لأنهم لا يتوكلون على الله ولا يستنصرونه بل توجّههم إلى الأصنام ، وإما لأنهم لا يخطر ببالهم إلا أنهم منصورون بحولهم وقوتهم فلا يخطر ببالهم سؤال نصر الله أو رجاؤه وهم معروفون بهذه الصلة بين المسلمين فلذلك أجريت عليهم هنا وعرفوا بها. وأوثر تعريفهم بهذه الصلة ليكون في ذلك تعريض بأن الله ينصر الذين يرجون أيام نصره وهم المؤمنون. والغرض من هذا التعريض الإيماء بالموصول إلى وجه أمر المؤمنين أن يغفروا للمشركين ويصفحوا عن أذى المشركين ولا يتكلفوا الانتصار لأنفسهم لأن الله ضمن لهم النصر.
وقد يطلق (أَيَّامَ اللهِ) في القرآن على الأيام التي حصل فيها فضله ونعمته على قوم ، وهو أحد تفسيرين لقوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [إبراهيم : ٥].
ومعنى (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) على هذا التأويل أنهم في شغل عن ترقب نعم الله بما هم فيه من إسناد فعل الخير إلى أصنامهم بانكبابهم على عبادة الأصنام دون عبادة الله ويأتي في هذا الوجه من التعريض والتحريض مثل ما ذكر في الوجه الأول لأن المؤمنين هم الذين يرجون نعمة الله. وفسر به قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [الفرقان : ٢١] وقوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] ، فيكون المراد ب (أَيَّامَ اللهِ) : أيام جزائه في الآخرة لأنها أيام ظهور حكمه وعزته فهي تقارب الأيام بالمعنى الأول ، ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) [النبأ : ٣٩] ، أي ذلك يوم النصر الذي يحق أن يطلق عليه (يوم) فيكون معنى هذه الآية : أنهم لا يخافون تمكن الله من عقابهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث.
ومعنى الآية أن المؤمنين أمروا بالعفو عن أذى المشركين وقد تكرر ذلك في القرآن قال تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران : ١٨٦]. وفي «صحيح البخاري» عن أسامة بن زيد في هذه الآية : وكان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.