فالمجازى غير مظلوم ، وبالجزاء أيضا ينتفي أثر ظلم الظالم عن المظلوم إذ لو ترك الجزاء لاستمر المظلوم مظلوما.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣))
لما كان الذين حسبوا أن يكونوا في الآخرة في نعمة وعزة كما كانوا في الدنيا قالوا ذلك عن غير دليل ولا نظر ولكن عن اتباع ما يشتهون لأنفسهم من دوام الحال الحسن تفرع على حسبانهم التعجيب من حالهم ، فعطف بالفاء الاستفهام المستعمل في التعجيب ، وجعل استفهاما عن رؤية حالهم ، للإشارة إلى بلوغ حالهم من الظهور إلى حد أن تكون مرثية.
وأصل التركيب : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) إلخ ، فقدمت همزة الاستفهام ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمقصود من معه من المسلمين ، أو الخطاب لغير معيّن ، أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص بها مخاطب.
و (مَنِ) الموصولة صادقة على فريق المستهزئين الذين حسبوا أن يكون محياهم ومماتهم سواء بقرينة ضمير الجمع في الجملة المعطوفة بقوله : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الجاثية : ٢٤] إلخ.
والمعنى : أن حجاجهم المسلمين مركّز على اتباع الهوى والمغالطة ، فلا نهوض لحجتهم لا في نفس الأمر ولا فيما أرادوه ، على فرض وقوع البعث من أن يكونوا آمنين من أهوال البعث ، وأنهم لا يرجى لهم اهتداء لأن الله خلقهم غير قابلين للهدى فلا يستطيع غيره هداهم.
و (إِلهَهُ) يجوز أن يكون أطلق على ما يلازم طاعته حتى كأنه معبود فيكون هذا الإطلاق بطريقة التشبيه البليغ ، أي اتخذ هواه كإله له لا يخالف له أمرا. ويجوز أن يبقى (إِلهَهُ) على الحقيقة ويكون (هَواهُ) بمعنى مهويّه ، أي عبد إلها لأنه يحب أن يعبده ، يعني الذين اتخذوا الأصنام آلهة لا يقلعون عن عبادتها لأنهم أحبوها ، أي ألفوها وتعلقت قلوبهم بعبادتها ، كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٩٣].
ومعنى (أَضَلَّهُ اللهُ) أنه حفّهم بأسباب الضلالة من عقول مكابرة ونفوس ضعيفة ،