اعتادت اتباع ما تشتهيه لا تستطيع حمل المصابرة والرضى بما فيه كراهية لها. فصارت أسماعهم كالمختوم عليها في عدم الانتفاع بالمواعظ والبراهين ، وقلوبهم كالمختوم عليها في عدم نفوذ النصائح ودلائل الأدلة إليها ، وأبصارهم كالمغطاة بغشاوات فلا تنتفع بمشاهدة المصنوعات الإلهية الدالة على انفراد الله بالإلهية وعلى أنّ بعد هذا العالم بعثا وجزاء.
ومعنى (عَلى عِلْمٍ) أنهم أحاطت بهم أسباب الضلالة مع أنهم أهل علم ، أي عقول سليمة أو مع أنهم بلغهم العلم بما يهديهم وذلك بالقرآن ودعوة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام.
فحرف (عَلى) هنا معناه المصاحبة بمعنى (مع) وأصل هذا المعنى استعارة معنى الاستعلاء للاستعلاء المجازي وهو التمكن بين الوصف والموصوف. وشاع ذلك حتى صار معنى من معاني (على) كما في قول الحارث بن حلزة :
فيقينا على الشّناءة تنمينا |
|
حصون وعزّة قعساء |
والمعنى : أنه ضال مع ما له من صفة العلم ، فالعلم هنا من وصف من اتخذ إلهه هواه وهو متمكن من العلم لو خلع عن نفسه المكابرة والميل إلى الهوى.
وقرأ الجمهور (غِشاوَةً) بكسر الغين وفتح الشين بعدها ألف. وقرأه حمزة والكسائي وخلف غشوة بفتح الغين وسكون الشين وهو من التسمية بالمصدر وهي لغة. وتقدم معنى الختم والغشاوة في أول سورة البقرة.
وفرع على هذه الصلة استفهام إنكاري أن يكون غير الله يستطيع أن يهديهم ، والمراد به تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم لشدة أسفه لإعراضهم وبقائهم في الضلالة.
و (مِنْ بَعْدِ اللهِ) بمعنى : دون الله ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) آخر سورة الأعراف [١٨٥].
وفرع على ذلك استفهام عن عدم تذكر المخاطبين لهذه الحقيقة ، أي كيف نسوها حتى ألحّوا في الطمع بهداية أولئك الضالّين وأسفوا لعدم جدوى الحجة لديهم وهو استفهام إنكاري.
ومن المفسرين من حمل (مَنِ) الموصولة في قوله (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) على معيّن فقال مقاتل : هو أبو جهل بسبب حديث جرى بينه وبين الوليد بن المغيرة كانا يطوفان ليلة فتحدثا في شأن النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أبو جهل : والله إني لأعلم إنه لصادق فقال له