بيّن أن الدهر وهو الزمان ليس بمميت مباشرة وهو ظاهر ولا بواسطة في الإماتة إذ الزمان أمر اعتباري لا يفعل ولا يؤثر وإنما هو مقادير يقدّر بها الناس الأبعاد بين الحوادث مرجعه إلى تقدير حصة النهار والليل وحصص الفصول الأربعة ، وإنما توهم عامة الناس أن الزمان متصرف ، وهي توهمات شاعت حتى استقرت في الأذهان الساذجة.
والمراد بالظن في قوله : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ما ليس بعلم فهو هنا التخيل والتوهم وجملة (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) مبيّنة بجملة (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أو استئناف بياني كأنّ سائلا حين سمع قوله : (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) سأل عن مستندهم في قولهم ذلك فأجيب بأنه الظن المبني على التخيل.
وجيء بالمضارع في (يَظُنُّونَ) لأنهم يحددون هذا الظن ويتلقاه صغيرهم عن كبيرهم في أجيالهم وما هم بمقلعين عنه.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥))
عطف على (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية : ٢٤] ، أي عقدوا على عقيدة أن لا حياة بعد الممات استنادا للأوهام والأقيسة الخيالية. وإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدلالة على إمكان البعث وعلى لزومه لم يعارضوها بما يبطلها بل يهرعون إلى المباهتة فيقولون إن كان البعث حقا فأتوا بآبائنا إن صدقتم. فالمراد بالآيات آيات القرآن المتعلقة بالبعث بدليل ما قبل الكلام وما بعده.
وفي قوله : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) تسجيل عليهم بالتلجلج عن الحجة البينة ، والمصير إلى سلاح العاجز من المكابرة والخروج عن دائرة البحث.
والخطاب بفعل (ائْتُوا) موجّه للمؤمنين بدخول الرسول صلىاللهعليهوسلم. و (إِلَّا أَنْ قالُوا) استثناء من حجتهم وهو يقتضي تسمية كلامهم هذا حجة وهو ليس بحجة إذ هو بالبهتان أشبه فإمّا أن يكون إطلاق اسم الحجة عليه على سبيل التهكم بهم كقول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرداة طحونا |
فسمى القتل قرى ، وعلى هذا يكون الاستثناء في قوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) استثناء متصلا تهكما ، وإمّا أن يكون إطلاق اسم الحجة على كلامهم جرى على اعتقادهم