وتقديرهم دون قصد تهكّم بهم ، أي أتوا بما توهموه حجّة فيكون الإطلاق استعارة صورية والاستثناء على هذا متصل أيضا. وإما أن يكون الإطلاق استعارة بعلاقة الضدية فيكون مجازا مرسلا بتنزيل التضاد منزلة التناسب على قصد التهكم فيكون المعنى أن لا حجة لهم البتة إذ لا حجة لهم إلا هذه ، وهذه ليست بحجة بل هي عناد فيحصل أن لا حجة لهم بطريق التمليح والكناية كقول جران العود :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلا اليعافير وإلا العيس |
أي لا أنس بها البتة.
ويقدر قوله : (أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) في محل رفع بالاستثناء المفرغ على الاعتبارات الثلاثة فهو اسم (كانَ) و (حُجَّتَهُمْ) خبرها لأن حجتهم منصوب في قراءة جميع القراءات المشهورة.
وتقديم خبر (كانَ) على اسمها لأن اسمها محصور ب (إِلَّا) فحقه التأخير عن الخبر.
(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦))
تلقين لإبطال قولهم (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] يتضمن إبطال قولهم (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) [الجاثية : ٢٤].
والمقصود منه قوله : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) وإنما قدم عليه (يُحْيِيكُمْ) توطئة له ، أي كما هو أوجدكم هو يميتكم لا الدهر ، فتقديم اسم الله على المسند الفعلي وهو (يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) يفيد تخصيص الإحياء والإماتة به لإبطال قولهم ، إن الدهر هو الذي يميتهم.
وقوله : (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إبطال لقولهم : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الجاثية : ٢٤] وليس هو إبطالا بطريق الاستدلال لأن أدلة هذا تكررت فيما نزل من القرآن فاستغني عن تفصيلها ولكنه إبطال بطريق الإجمال والمعارضة.
وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) حال من (يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، أي لا ريب في وجوده بما يقتضيه من إحياء الأموات ، ومعنى نفي الريب فيه أنه حقيقة الريب وهي التي تتقوم من دلائل تفضي إلى الشك منتفية عن قضية وقوع يوم القيامة بكثرة الدلائل الدالة على إمكانه وعلى أنه بالنسبة لقدرة الله ليس أعجب من بدء الخلق ، وأن الله أخبر عن وقوعه فوجب القطع