[٣٠ ـ ٣٢] (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢))
الفاء لعطف المفصل على المجمل ، وهو تفصيل لما أجمل في قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) [الجاثية : ٢٨] وما بينهما اعتراض.
فالكلام هنا هو متصل بقوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) كما دل عليه قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ).
وابتدئ في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قوله : (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) [الجاثية : ٢٧] تنويها بالمؤمنين وتعجيلا لمسرتهم وتعجيلا لمساءة المبطلين لأن وصف حال المؤمنين يؤذن بمخالفة حال الآخرين لحالهم.
والتعبير ب (يدخلهم في رحمته) شامل لما تتصوره النفس من أنواع الكرامة والنعيم إذ جعلت رحمة الله بمنزلة المكان يدخلونه.
وافتتح بيان حال الذين كفروا بما يقال لهم من التوبيخ والتقرير من قبل الله تعالى ، فقوله : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي) مقول قول محذوف لظهور أن ذلك خطاب صادر من متكلم من جانب الله تعالى فيقدر فيقال لهم على طريقة قوله بعد (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) [الجاثية : ٣٤]. والفاء جواب (أَمَّا) ، أو فيقال لهم (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) فلما حذف فعل القول قدم حرف الاستفهام على فاء الجواب اعتدادا باستحقاقه التصدير كما يقدم الاستفهام على حروف العطف. ولم يتعدّ بالمحذوف لأن التقديم لدفع الكراهة اللفظية من تأخر الاستفهام عن الحرف وهي موجودة بعد حذف ما حذف.
والاستفهام توبيخ وتقرير. والمراد بالآيات القرآن ، أي فاستكبرتم على الأخذ بها ولم تقتصروا على الاستكبار بل كنتم قوما مجرمين ، أي لم تفدكم مواعظ القرآن صلاحا لأنفسهم بما سمعتم منه. وإقحام (قَوْماً) دون الاقتصار على : وكنتم مجرمين ، للدلالة على أن الإجرام صار خلقا لهم وخالط نفوسهم حتى صار من مقومات قوميتهم وقد قدمناه غير مرة.