تعالى إلى المشركين الأحياء لتذكيرهم بالبعث عقب ذكر حالهم في القيامة انتهازا لفرصة الموعظة السابقة عند تأثرهم بسماعها.
ويكون فعل (تُرْجَعُونَ) مستعملا في الاستقبال على أصله ، والكلام استدلال على إمكان البعث. قال تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥]. وتقديم متعلق (تُرْجَعُونَ) عليه للاهتمام ورعاية الفاصلة.
[٢٢ ، ٢٣] (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣))
قلّ من تصدى من المفسرين لبيان اتصال هذه الآيات الثلاث بما قبلها ، ومن تصدّى منهم لذلك لم يأت بما فيه مقنع ، وأولى كلام في ذلك كلام ابن عطية ولكنه وجيز وغير محرر وهو وبعض المفسرين ذكروا سببا لنزولها فزادوا بذلك إشكالا وما أبانوا انفصالا. ولنبدأ بما يقتضيه نظم الكلام ، ثم نأتي على ما روي في سبب نزولها بما لا يفضي إلى الانفصام.
فيجوز أن تكون جملة (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) بتمامها معطوفة على جملة (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [فصلت : ٢١] إلخ فتكون مشمولة للاعتراض متصلة بالتي قبلها على كلا التأويلين السابقين في التي قبلها. ويجوز أن تكون مستقلة عنها : إمّا معطوفة على جملة ويوم نحشر (أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) [فصلت : ١٩] الآيات ، وإما معترضة بين تلك الجملة وجملة (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [فصلت : ٢٤] ، وتكون الواو اعتراضية ، ومناسبة الاعتراض ما جرى من ذكر شهادة سمعهم وأبصارهم وجلودهم عليهم. فيكون الخطاب لجميع المشركين الأحياء في الدنيا ، أو للمشركين في يوم القيامة.
وعلى هذه الوجوه فالمعنى : ما كنتم في الدنيا تخفون شرككم وتستترون منه بل كنتم تجهرون به وتفخرون باتباعه فما ذا لومكم على جوارحكم وأجسادكم أن شهدت عليكم بذلك فإنه كان أمرا مشهورا فالاستتار مستعمل في الإخبار مجازا لأن حقيقة الاستتار إخفاء الذوات والذي شهدت به جوارحهم هو اعتقاد الشرك والأقوال الداعية إليه. وحرف (ما) نفي بقرينة قوله بعده : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ) إلخ ، ولا بد من تقدير حرف جر