الإخبار عنهم إلى مخاطب آخر ينبّأ ببقية أمرهم تحقيرا لهم.
وقرأ الجمهور (يُخْرَجُونَ) بضم الياء وفتح الراء ، فالمعنى : أنهم يسألون من يخرجهم فلا يخرجهم أحد كما في قوله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) [المؤمنون : ١٠٧] وقوله :(فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر : ١١]. وقرأه حمزة والكسائي (يُخْرَجُونَ) بفتح الياء وضم الراء. فالمعنى : أنهم يفزعون إلى الخروج فلا يستطيعون لقوله تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) [الحج : ٢٢].
والاستعتاب بمعنى : الإعتاب ، فالسين والتاء للمبالغة كما يقال : أجاب واستجاب. ومعنى الإعتاب : إعطاء العتبى وهي الرضا. وهو هنا مبني للمجهول. أي لا يستعتبهم أحد ، أي ولا يرضون بما يسألون ، وتقدم نظيره في قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ) لا تنفع (الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) في سورة الروم [٥٧].
وتقدم (هُمْ) على (يُسْتَعْتَبُونَ) وهو مسند فعلي بعد حرف النفي هنا تعريض بأن الله يعتب غيرهم ، أي يرضي المؤمنين ، أي يغفر لهم.
[٣٦ ، ٣٧] (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))
الفاء لتفريع التحميد والثناء على الله تفريعا على ما احتوت عليه السورة من ألطاف الله فيما خلق وأرشد وسخر وأقام من نظم العدالة ، والإنعام على المسلمين في الدنيا والآخرة ، ومن وعيد للمعرضين واحتجاج عليهم ، فلما كان ذلك كله من الله كان دالا على اتّصافه بصفات العظمة والجلال وعلى إفضاله على الناس بدين الإسلام كان حقيقا بإنشاء قصر الحمد عليه فيجوز أن يكون هذا الكلام مرادا منه ظاهر الإخبار ، ويجوز أن يكون مع ذلك مستعملا في معناه الكنائي وهو أمر الناس بأن يقصروا الحمد عليه. ويجوز أن يكون إنشاء حمد لله تعالى وثناء عليه. وكل ما سبقه من آيات هذه السورة مقتض للوجوه الثلاثة ، ونظيره قوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) في سورة الأنعام [٤٥].
وتقديم (لله) لإفادة الاختصاص ، أي الحمد مختص به الله تعالى يعني الحمد الحق الكامل مختص به تعالى كما تقدم في سورة الفاتحة.