وقوله : (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) تمثيل لحالهم إذ يحسبون أنهم وصلوا إلى معرفة ما يحق أن يعرفوه من شئون الله ووثقوا من تحصيل سعادتهم ، وهم ما عرفوا الله حق معرفته فعاملوا الله بما لا يرضاه فاستحقوا العذاب من حيث ظنوا النجاة ، فشبه حالهم بحال التاجر الذي استعدّ للربح فوقع في الخسارة.
والمعنى : أنه نعي عليهم سوء استدلالهم وفساد قياسهم في الأمور الإلهية ، وقياسهم الغائب على الشاهد ، تلك الأصول التي استدرجتهم في الضلالة فأحالوا رسالة البشر عن الله ونفوا البعث ، ثم أثبتوا شركاء لله في الإلهية ، وتفرع لهم من ذلك كله قطع نظرهم عما وراء الحياة الدنيا وأمنهم من التبعات في الحياة الدنيا ، فذلك جماع قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
واعلم أن أسباب الضلال في العقائد كلها إنما تأتي على الناس من فساد التأمل وسرعة الإيقان وعدم التمييز بين الدلائل الصائبة والدلائل المشابهة وكل ذلك يفضي إلى الوهم المعبر عنه بالظن السيّئ ، أو الباطل. وقد ذكر الله مثله في المنافقين وأن ظنهم هو ظن أهل الجاهلية فقال : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) [آل عمران : ١٥٤] ، فليحذر المؤمنون من الوقوع في مثل هذه الأوهام فيبوءوا ببعض ما نعي على عبدة الأصنام.
وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» يريد الظن الذين لا دليل عليه. و (أصبحتم) بمعنى : صرتم ، لأن أصبح يكثر أن تأتي بمعنى : صار.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤))
تفريع على جواب (إِذا) [فصلت : ٢٠] على كلا الوجهين المتقدمين ، أو تفريع على جملة (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) [فصلت : ٢١] ، أو هو جواب (إِذا) ، وما بينهما اعتراض على حسب ما يناسب الوجوه المتقدمة. والمعنى على جميع الوجوه : أن حاصل أمرهم أنهم قد زجّ بهم في النار فإن صبروا واستسلموا فهم باقون في النار ، وإن اعتذروا لم ينفعهم العذر ولم يقبل منهم تنصل.
وقوله : (فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) دليل جواب الشرط لأن كون النار مثوى لهم ليس مسبّبا على حصول صبرهم وإنما هو من باب قولهم : إن قبل ذلك فذاك ، أي فهو على ذلك الحال ، فالتقدير : فإن يصبروا فلا يسعهم إلا الصبر لأن النار مثوى لهم.