والتزيين : التحسين ، وهو يشعر بأن المزيّن غير حسن في ذاته. و (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يستعار للأمور المشاهدة ، وما خلفهم يستعار للأمور المغيبة.
والمراد ب (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أمور الدنيا ، أي زينوا لهم ما يعملونه في الدنيا من الفساد مثل عبادة الأصنام ، وقتل النفس بلا حق ، وأكل الأموال ، والعدول على الناس باليد واللسان ، والميسر ، وارتكاب الفواحش ، والوأد. فعوّدوهم باستحسان ذلك كله لما فيه من موافقة الشهوات والرغبات العارضة القصيرة المدى ، وصرفوهم عن النظر فيما يحيط بأفعالهم تلك من المفاسد الذاتية الدائمة.
والمراد ب (ما خَلْفَهُمْ) الأمور المغيبة عن الحس من صفات الله ، وأمور الآخرة من البعث والجزاء مثل الشرك بالله ونسبة الولد إليه ، وظنهم أنه يخفى عليه مستور أعمالهم ، وإحالتهم بعثة الرسل ، وإحالتهم البعث والجزاء. ومعنى تزيينهم هذا لهم تلقينهم تلك العقائد بالأدلة السفسطائية مثل قياس الغائب على الشاهد ، ونفي الحقائق التي لا تدخل تحت المدركات الحسية كقولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الصافات : ١٦ ، ١٧].
و (حَقَّ عَلَيْهِمُ) أي تحقق فيهم القول وهو وعيد الله إياهم بالنار على الكفر ، فالتعريف في (الْقَوْلُ) للعهد. وفي هذا العهد إجمال لأنه وإن كان قد ورد في القرآن ما يعهد منه هذا القول مثل قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) [الزمر : ١٩] وقوله: (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) [الصافات : ٣١] ، فإنه يمكن أن لا تكون الآيات المذكورة قد سبقت هذه الآية.
وقوله : (فِي أُمَمٍ) حال من ضمير (عَلَيْهِمُ) ، أي حق عليهم حالة كونهم في أمم أمثالهم قد سبقوهم. والظرفية هنا مجازية ، وهي بمعنى التبعيض ، أي هم من أمم قد خلت من قبلهم حق عليهم القول. ومثل هذا الاستعمال قول عمرو بن أذينة :
إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو |
|
كا ففي آخرين قد أفكوا |
أي فأنت من جملة آخرين قد صرفوا عن أحسن الصنيعة.
و (مِنْ) في قوله : (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) بيانية ، فيجوز أن يكون بيانا ل (أُمَمٍ) ، أي من أمم من البشر ومن الشياطين فيكون مثل قوله تعالى : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٤ ، ٨٥] ، وقوله : (قالَ ادْخُلُوا فِي