وتسميتهم إياه بالقرآن حكاية لما يجري على ألسنة المسلمين من تسميته بذلك. وتعدية فعل (تَسْمَعُوا) باللام لتضمينه معنى : تطمئنوا أو تركنوا.
واللغو : القول الذي لا فائدة فيه ، ويسمى الكلام الذي لا جدوى له لغوا ، وهو واوي اللام ، فأصل (وَالْغَوْا) : والغوا استثقلت الضمة على الواو فحذفت والتقى ساكنان فحذف أولهما وسكنت الواو الثانية سكونا حيّا ، والواو علامة الجمع. وهذا الجاري على ظاهر كلام «الصحاح» و «القاموس» في «الكشاف» أنه يقال : لغي يلغى ، كما يقال : لغا يلغو فهو إذن واوي ويائي. فمعنى (وَالْغَوْا فِيهِ) قولوا أقوالا لا معنى لها أو تكلموا كلاما غير مراد منه إفادة أو المقصود إحداث أصوات تغمر صوت النبي صلىاللهعليهوسلم بالقرآن. ولما كان المقصود بتخلّل أصواتهم صوت القارئ حتى لا يفقهه السامعون عدّي اللغو بحرف (في) الظرفية لإفادة إيقاع لغوهم في خلال صوت القارئ وقوع المظروف في الظرف على وجه المجاز. وأدخل حرف الظرفية على اسم القرآن دون اسم شيء من أحواله مثل صوت أو كلام ليشمل كل ما يخفي ألفاظ القرآن أو يشكك في معانيها أو نحو ذلك. وهذا نظم له مكانة من البلاغة.
قال ابن عباس : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان أبو جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون لهم : لا تسمعوا له والغوا فيه ، فكانوا يأتون بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأراجيز وما يحضرهم من الأقوال التي يصخبون بها». وقد ورد في «الصحيح» «أنهم قالوا لمّا استمعوا إلى قراءة أبي بكر وكان رقيق القراءة : إنا نخاف أن يفتن أبناءنا ونساءنا».
ومعنى (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) رجاء أن تغلبوا محمدا بصرف من يتوقع أن يتبعه إذا سمع قراءته. وهذا مشعر بأنهم كانوا يجدون القرآن غالبهم إذ كان الذين يسمعونه يداخل قلوبهم فيؤمنون ، أي فإن لم تفعلوا فهو غالبكم.
[٢٧ ، ٢٨] (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨))
دلت الفاء على أن ما بعدها مفرع عما قبلها : فإمّا أن يكون تفريعا على آخر ما تقدم وهو قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) [فصلت : ٢٦] الآية ، وإمّا أن يكون مفرعا على جميع ما تقدم ابتداء من قوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ)