حقارة هؤلاء الذين كفروا ، أي ليكونوا أحقر منا جزاء لهم ، فالسفالة مستعارة للإهانة والحقارة.
وقرأ الجمهور (أَرِنَا) بكسر الراء. وقرأه ابن كثير وابن عامر والسوسي عن أبي عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بسكون الراء للتخفيف من ثقل الكسرة ، كما قالوا : فخذ في فخذ. وعن الخليل إذا قلت : أرني ثوبك بكسر الراء ، فالمعنى : بصّرنيه ، وإذا قلته بسكون الراء فهو استعطاء ، معناه : أعطنيه. وعلى هذا يكون معنى قراءة ابن كثير وابن عامر ومن وافقهما : مكّنا من الذين أضلّانا كي نجعلهما تحت أقدامنا ، أي ائذن لنا بإهانتهما وخزيهما. وقرأ ابن كثير (الَّذِينَ) بتشديد النون من اسم الموصول وهي لغة ، وتقدم في قوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) في سورة النساء [١٦].
[٣٠ ـ ٣٢] (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢))
بعد استيفاء الكلام على ما أصاب الأمم الماضية المشركين المكذبين من عذاب الدنيا وما أعدّ لهم من عذاب الآخرة مما فيه عبرة للمشركين الذين كذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم بطريق التعريض ، ثم أنذروا بالتصريح بما سيحلّ بهم في الآخرة ، ووصف بعض أهواله ، تشوّف السامع إلى معرفة حظ المؤمنين ووصف حالهم فجاء قوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) إلخ ، بيانا للمترقب وبشرى للمتطلب ، فالجملة استئناف بياني ناشئ عما تقدم من قوله : ويوم نحشر (أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) [فصلت : ١٩] إلى قوله : (مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت : ٢٩].
وافتتاح الجملة بحرف التوكيد منظور فيه إلى إنكار المشركين ذلك ، ففي توكيد الخبر زيادة قمع لهم. ومعنى (قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أنهم صدعوا بذلك ولم يخشوا أحدا بإعلانهم التوحيد ، فقولهم تصريح بما في اعتقادهم لأن المراد بهم قالوا ذلك عن اعتقاد ، فإن الأصل في الكلام الصدق وهو مطابقة الخبر الواقع وما في الوجود الخارجي.
وقوله : (رَبُّنَا اللهُ) يفيد الحصر بتعريف المسند إليه والمسند ، أي لا ربّ لنا إلا الله ، وذلك جامع لأصل الاعتقاد الحق لأن الإقرار بالتوحيد يزيل المانع من تصديق