عطف هذه الجملة له موقع عجيب ، فإنه يجوز أن يكون عطفا على جملة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) [فصلت : ٣٣] إلخ تكملة لها فإن المعطوف عليها تضمنت الثناء على المؤمنين إثر وعيد المشركين وذمّهم ، وهذه الجملة فيها بيان التفاوت بين مرتبة المؤمنين وحال المشركين ، فإن الحسنة اسم منقول من الصفة فتلمّح الصفة مقارن له ، فالحسنة حالة المؤمنين والسيئة حالة المشركين ، فيكون المعنى كمعنى آيات كثيرة من هذا القبيل مثل قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) [غافر : ٥٨] ، فعطف هذه الجملة على التي قبلها على هذا الاعتبار يكون من عطف الجمل التي يجمعها غرض واحد وليس من عطف غرض على غرض. ويجوز أن تكون عطفا على جملة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦] الواقعة بعد جملة (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [فصلت : ٥] إلى قوله : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) [فصلت : ٥] فإن ذلك مثير في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم الضجر من إصرار الكافرين على كفرهم وعدم التأثر بدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الحق فهو بحال من تضيق طاقة صبره على سفاهة أولئك الكافرين ، فأردف الله ما تقدم بما يدفع هذا الضيق عن نفسه بقوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) الآية.
فالحسنة تعم جميع أفراد جنسها وأولاها تبادرا إلى الأذهان حسنة الدعوة إلى الإسلام لما فيها من جمّ المنافع في الآخرة والدنيا ، وتشمل صفة الصفح عن الجفاء الذي يلقى به المشركون دعوة الإسلام لأن الصفح من الإحسان ، وفيه ترك ما يثير حميتهم لدينهم ويقرب لين نفوس ذوي النفوس اللينة. فالعطف على هذا من عطف غرض على غرض ، وهو الذي يعبر عنه بعطف القصة على القصة ، وهي تمهيد وتوطئة لقوله عقبها (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية.
وقد علمت غير مرة أن نفي الاستواء ونحوه بين شيئين يراد به غالبا تفضيل أحدهما على مقابله بحسب دلالة السياق كقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨]. وقول الأعشى :
ما يجعل الجدّ الظّنون الذي |
|
جنّب صوب اللّجب الماطر |
مثل الفراتيّ إذا ما طما |
|
يقذف بالبوصيّ والماهر |
فكان مقتضى الظاهر أن يقال : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، دون إعادة (لا) النافية بعد الواو الثانية كما قال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) [غافر : ٥٨] ، فإعادة