لله». وتخلّق الأمة بهذا الخلق مرغوب فيه قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : ٤٠].
وروى عياض في «الشفاء» وهو مما رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله وابن جرير في «تفسيره» لما نزل قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) [الأعراف : ١٩٩] سأل النبيصلىاللهعليهوسلم جبريل عن تأويلها فقال له : حتى أسأل العالم ، فأتاه فقال : «يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك».
ومفعول (ادْفَعْ) محذوف دل عليه انحصار المعنى بين السيئة والحسنة ، فلما أمر بأن تكون الحسنة مدفوعا بها تعيّن أن المدفوع هو السيئة ، فالتقدير : ادفع السيئة بالتي هي أحسن كقوله تعالى : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) في سورة الرعد [٢٢] وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) في سورة المؤمنين [٩٦].
و (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هي الحسنة ، وإنما صيغت بصيغة التفضيل ترغيبا في دفع السيئة بها لأن ذلك يشق على النفس فإن الغضب من سوء المعاملة من طباع النفس وهو يبعث على حب الانتقام من المسيء فلما أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يجازي السيئة بالحسنة أشير إلى فضل ذلك. وقد ورد في صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح». وقد قيل : إن ذلك وصفه في التوراة. وفرع على هذا الأمر قوله : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) لبيان ما في ذلك الأمر من الصلاح ترويضا على التخلق بذلك الخلق الكريم ، وهو أن تكون النفس مصدرا للإحسان. ولما كانت الآثار الصالحة تدل على صلاح مثارها. وأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بالدفع بالتي هي أحسن أردفه بذكر بعض محاسنه وهو أن يصير العدو كالصديق ، وحسن ذلك ظاهر مقبول فلا جرم أن يدل حسنه على حسن سببه.
ولذكر المثل والنتائج عقب الإرشاد شأن ظاهر في تقرير الحقائق وخاصة التي قد لا تقبلها النفوس لأنها شاقة عليها ، والعداوة مكروهة والصداقة والولاية مرغوبة ، فلما كان الإحسان لمن أساء يدنيه من الصداقة أو يكسبه إياها كان ذلك من شواهد مصلحة الأمر بالدفع بالتي هي أحسن.
و (إذا) للمفاجأة ، وهي كناية عن سرعة ظهور أثر الدفع بالتي هي أحسن في انقلاب العدوّ صديقا. وعدل عن ذكر العدوّ معرفا بلام الجنس إلى ذكره باسم الموصول ليتأتى تنكير عداوة للنوعية وهو أصل التنكير فيصدق بالعداوة القوية ودونها ، كما أن ظرف