(بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ) يصدق بالبين القريب والبين البعيد ، أعني ملازمة العداوة أو طروّها.
وهذا تركيب من أعلى طرف البلاغة لأنه يجمع أحوال العداوات فيعلم أن الإحسان ناجع في اقتلاع عداوة المحسن إليه للمحسن على تفاوت مراتب العداوة قوة وضعفا ، وتمكنا وبعدا ، ويعلم أنه ينبغي أن يكون الإحسان للعدوّ قويا بقدر تمكن عداوته ليكون أنجع في اقتلاعها. ومن الأقوال المشهورة : النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
والتشبيه في قوله : (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، تشبيه في زوال العداوة ومخالطة شوائب المحبة ، فوجه الشبه هو المصافاة والمقاربة وهو معنى متفاوت الأحوال ، أي مقول على جنسه بالتشكيك على اختلاف تأثر النفس بالإحسان وتفاوت قوة العداوة قبل الإحسان ، ولا يبلغ مبلغ المشبّه به إذ من النادر أن يصير العدوّ وليّا حميما ، فإن صاره فهو لعوارض غير داخلة تحت معنى الإسراع الذي آذنت به (إذا) الفجائية. والعداوة التي بين المشركين وبين النبي صلىاللهعليهوسلم عداوة في الدين ، فالمعنى : فإذا الذي بينك وبينه عداوة لكفره ، فلذلك لا تشمل الآية من آمنوا بعد الكفر فزالت عداوتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم لأجل إيمانهم كما زالت عداوة عمر رضياللهعنه بعد إسلامه حتى قال يوما للنبي صلىاللهعليهوسلم : لأنت أحب إليّ من نفسي التي بين جنبيّ ، وكما زالت عداوة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما كان أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من أهل خبائك واليوم ما أهل خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من أهل خبائك فقال لها النبي صلىاللهعليهوسلم وأيضا ، أي وستزيدين حبا.
وعن مقاتل : أنه قال : هذه الآية نزلت في أبي سفيان كان عدوا للنبي صلىاللهعليهوسلم في الجاهلية فصار بعد إسلامه وليا مصافيا. وهو وإن كان كما قالوا فلا أحسب أن الآية نزلت في ذلك لأنها نزلت في اكتساب المودة بالإحسان.
والولي : اسم مشتق من الولاية بفتح الواو ، والولاء ، وهو : الحليف والناصر ، وهو ضد العدو ، وتقدم في غير آية من القرآن.
والحميم : القريب والصديق. ووجه الجمع بين (وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أنه جمع خصلتين كلتاهما لا تجتمع مع العداوة وهما خصلتا الولاية والقرابة.
(وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥))
عطف على جملة (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [فصلت : ٣٤] ، أو حال من (التي هي أحسن) ، وضمير (يُلَقَّاها) عائد إلى (التي هي أحسن) باعتبار تعلقها بفعل (ادفع) ، أي