(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
عطف على جملة (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) [فصلت : ٣٥] ، فبعد أن أرشد إلى ما هو عون على تحصيل هذا الخلق المأمور به وهو دفع السيئة بالتي هي أحسن ، وبعد أن شرحت فائدة العمل بها بقوله : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤] صرف العنان هنا إلى التحذير من عوائقها التي تجتمع كثرتها في حقيقة نزغ الشيطان ، فأمر بأنه إن وجد في نفسه خواطر تصرفه عن ذلك وتدعوه إلى دفع السيئة بمثلها فإن ذلك نزغ من الشيطان دواؤه أن تستعيذ بالله منه فقد ضمن الله له أن يعيذه إذا استعاذه لأنه أمره بذلك ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم.
وفائدة هذه الاستعاذة تجديد داعية العصمة المركوزة في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للعصمة وصقل لزكاء النفس مما قد يقترب منها من الكدرات. وهذا سر من الاتصال بين النبي صلىاللهعليهوسلم وربه وقد أشار إليه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» ، فبذلك تسلم نفسه من أن يغشاها شيء من الكدرات ويلحق به في ذلك صالحو المؤمنين.
وفي الحديث القدسي عند الترمذي «ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه». ثم يلتحق بذلك بقية المؤمنين على تفاوتهم كما دل عليه حديث ابن مسعود عند الترمذي قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمّة ، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليستعذ بالله من الشيطان».
والنزغ : النخس ، وحقيقته : مسّ شديد للجلد بطرف عود أو إصبع ، فهو مصدر ، وهو هنا مستعار لاتصال القوة الشيطانية بخواطر الإنسان تأمره بالشر وتصرفه عن الخير ، وتقدم في قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) في سورة الأعراف [٢٠٠] وإسناد (يَنْزَغَنَّكَ) إلى (نَزْغٌ) مجاز عقلي من باب : جدّ جدّه ، و (مِنْ) ابتدائية. ويجوز أن يكون المراد بالنزغ هنا : النازغ ، وهو الشيطان ، وصف بالمصدر للمبالغة ، و (مِنْ) بيانية ، أي ينزغنّك النازغ الذي هو الشيطان. والمبالغة حاصلة