على التقديرين مع اختلاف جهتها.
وجيء في هذا الشرط ب (إن) التي الأصل فيها عدم الجزم بوقوع الشرط ترفيعا لقدر النبي صلىاللهعليهوسلم فإن نزغ الشيطان له إنما يفرض كما يفرض المحال ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١] فجاء في ذلك الشرط بحرف (إذا) التي الأصل فيها الجزم بوقوع الشرط أو بغلبة وقوعه. و (ما) زائدة بعد حرف الشرط لتوكيد الربط بين الشرط وجوابه وليست لتحقيق حصول الشرط فإنها تزاد كثيرا بعد (إن) دون أن تكون دالة على الجزم بوقوع فعل الشرط.
وضمير الفصل في قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لتقوية الحكم وهو هنا حكم كنائي لأن المقصود لازم وصف السميع العليم وهو مؤاخذة من تصدر منهم أقوال وأعمال في أذى النبي صلىاللهعليهوسلم والكيد له ممن أمر بأن يدفع سيئاتهم بالتي هي أحسن. والمعنى : فإن سوّل لك الشيطان أن لا تعامل أعداءك بالحسنة وزين لك الانتقام وقال لك : كيف تحسن إلى أعداء الدين ، وفي الانتقام منهم قطع كيدهم للدين ، فلا تأخذ بنزغه وخذ بما أمرناك واستعذ بالله من أن يزلّك الشيطان فإن الله لا يخفى عليه أمر أعدائك وهو يتولى جزاءهم.
(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧))
عطف على جملة (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] الآية عطف القصة على القصة فإن المقصود من ذكر خلق العوالم أنها دلائل على انفراد الله بالإلهية ، فلذلك أخبر هنا عن المذكورات في هذه الجملة بأنها من آيات الله انتقالا في أفانين الاستدلال فإنه انتقال من الاستدلال بذوات من مخلوقاته إلى الاستدلال بأحوال من أحوال تلك المخلوقات ، فابتدئ ببعض الأحوال السماوية وهي حال الليل والنهار ، وحال طلوع الشمس وطلوع القمر ، ثم ذكر بعده بعض الأحوال الأرضية بقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) [فصلت : ٣٩].
ويدل لهذا الانتقال أنه انتقل من أسلوب الغيبة من قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) إلى قوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : ١٣ ـ ٣٤] إلى أسلوب خطابهم رجوعا إلى خطابهم الذي في قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) [فصلت : ٩].