وجملة : (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) دليل جواب الشرط. والتقدير : فإن تكبروا عن السجود لله فهو غني عن سجودهم ، لأن له عبيدا أفضل منهم لا يفترون عن التسبيح له بإقبال دون سآمة.
والمراد بالتسبيح : كل ما يدل على تنزيه الله تعالى عما لا يليق به بإثبات أضداد ما لا يليق به ، أو نفي ما لا يليق ، وذلك بالأقوال قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [الشورى : ٥] ، أو بالأعمال قال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [النحل : ٤٩ ـ ٥٠] وذلك ما يقتضيه قوله : (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) من كون ذلك التسبيح قولا وعملا وليس مجرد اعتقاد.
والعندية في قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ) عندية تشريف وكرامة كقوله في سورة الأعراف [٢٠٦] (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ). وهؤلاء الملائكة هم العامرون للعوالم العليا التي جعلها الله مشرفة بأنها لا يقع فيها إلا الفضيلة فكانت بذلك أشد اختصاصا به تعالى من أماكن غيرها قصدا لتشريفها.
والسآمة : الضجر والملل من الإعياء. وذكر الليل والنهار هنا لقصد استيعاب الزمان ، أي يسبحون له الزمان كله.
وجملة : (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) في موضع الحال وهو أوقع من محمل العطف لأن كون الإخبار عنهم مقيدا بهذه الحال أشد من إظهار عجيب حالهم إذ شأن العمل الدائم أن يسلم منه عامله.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)
عطف على جملة (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ) [فصلت : ٣٧] ، وهذا استدلال بهذا الصنع العظيم على أنه تعالى منفرد بفعله فهو دليل إلهيته دون غيره لأن من يفعل ما لا يفعله غيره هو الإله الحق وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعدد لكون من لا يفعل مثل فعله ناقص القدرة ، والنقص ينافي الإلهية كما قال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧].