الشبه ، وهو المسمى في المنطق قياس التمثيل ، وهو يفيد تقريب المقيس بالمقيس عليه. وليس الاستدلال بالشبه والتمثيل بحجة قطعية ، بل هو إقناعي ولكنه هنا يصير حجة لأن المقيس عليه وإن كان أضعف من المقيس إذ المشبه لا يبلغ قوة المشبه به ، فالمشبه به حيث كان لا يقدر على فعله إلا الخالق الذي اتصف بالقدرة التامة لذاته فقد تساوى فيه قويّه وضعيفه ، وهم كانوا يحيلون إحياء الأموات استنادا للاستبعاد العادي ، فلما نظّر إحياء الأموات بإحياء الأرض المشبه تم الدليل الإقناعي المناسب لشبهتهم الإقناعية. وقد أشار إلى هذا تذييله بقوله: (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠))
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا)
استئناف ابتدائي قصد به تهديد الذين أهملوا الاستدلال بآيات الله على توحيده.
وقوله : (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) مراد به الكناية عن الوعيد تذكيرا لهم بإحاطة علم الله بكل كائن ، وهو متصل المعنى بقوله آنفا : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ) [فصلت : ٢٢] الآية.
والإلحاد حقيقته : الميل عن الاستقامة ، والآيات تشمل الدلائل الكونية المتقدمة في قوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ) [فصلت : ٣٧] إلخ. وتشمل الآيات الآيات القولية المتقدمة في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦]. فالإلحاد في الآيات مستعار للعدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه. والإلحاد في الآيات القولية مستعار للعدول عن سماعها وللطعن في صحتها وصرف الناس عن سماعها.
وحرف (فِي) من قوله : (فِي آياتِنا) للظرفية المجازية لإفادة تمكن إلحادهم حتى كأنه مظروف في آيات الله حيثما كانت أو كلما سمعوها. ومعنى نفي خفائهم : نفي خفاء إلحادهم لا خفاء ذواتهم إذ لا غرض في العلم بذواتهم.
(أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ).