وقوله : (ما قَدْ قِيلَ) نظم متين حمّل الكلام هذين المعنيين العظيمين ، وفي قوله : (إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ) تشبيه بليغ. والمعنى : إلا مثل ما قد قيل للرسل.
واجتلاب المضارع في (ما يُقالُ) لإفادة تجدد هذا القول منهم وعدم ارعوائهم عنه مع ظهور ما شأنه أن يصدهم عن ذلك.
واقتران الفعل ب (قَدْ) لتحقيق أنه قد قيل للرسل مثل ما قال المشركون للرسولصلىاللهعليهوسلم فهو تأكيد للازم الخبر وهو لزوم الصبر على قولهم. وهو منظور فيه إلى حال المردود عليهم إذ حسبوا أنهم جابهوا الرسول بما لم يخطر ببال غيرهم ، وهذا على حد قوله تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٢ ، ٥٣].
(إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ)
تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم ووعد بأن الله يغفر له. ووقوع هذا الخبر عقب قوله : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يومئ إلى أن هذا الوعد جزاء على ما لقيه من الأذى في ذات الله وأن الوعيد للذين آذوه ، فالخبر مستعمل في لازمه.
ومعنى المغفرة له : التجاوز عما يلحقه من الحزن بما يسمع من المشركين من أذى كثير. وحرف (إِنَ) فيه لإفادة التعليل والتسبب لا للتأكيد.
وكلمة (ذُو) مؤذنة بأن المغفرة والعقاب كليهما من شأنه تعالى وهو يضعهما بحكمته في المواضع المستحقة لكل منهما.
ووصف العقاب ب (أَلِيمٍ) دون وصف آخر للاشارة إلى أنه مناسب لما عوقبوا لأجله فإنهم آلموا نفس النبي صلىاللهعليهوسلم بما عصوا وآذوا.
وفي جملة : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) محسّن الجمع ثم التقسيم ، فقوله: (ما يُقالُ لَكَ) يجمع قائلا ومقولا له فكان الإيماء بوصف (ذو مغفرة) إلى المقول له ، ووصف (ذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) إلى القائلين ، وهو جار على طريقة اللف والنشر المعكوس وقرينة المقام ترد كلّا إلى مناسبه.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ