آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤))
(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ).
اتصال نظم الكلام من أول السورة إلى هنا وتناسب تنقلاته بالتفريع والبيان والاعتراض والاستطراد يقتضي أن قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا) إلى آخره تنقّل في درج إثبات أن قصدهم العناد فيما يتعللون به ليواجهوا إعراضهم عن القرآن والانتفاع بهديه بما يختلقونه عليه من الطعن فيه والتكذيب به ، وتكلّف الأعذار الباطلة ليتستروا بذلك من الظهور في مظهر المنهزم المحجوج ، فأخذ ينقض دعاويهم عروة عروة ، إذ ابتدئت السورة بتحدّيهم بمعجزة القرآن بقوله : (حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) إلى قوله (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [فصلت : ١ ـ ٤] فهذا تحدّ لهم ووصف للقرآن بصفة الإعجاز.
ثم أخذ في إبطال معاذيرهم ومطاعنهم بقوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [فصلت : ٥] ، فإن قولهم ذلك قصدوا به أن حجة القرآن غير مقنعة لهم إغاظة منهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم تمالئهم على الأعراض بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦] وهو عجز مكشوف بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) [فصلت : ٤٠] وبقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) [فصلت : ٤١] الآيات. فأعقبها بأوصاف كمال القرآن التي لا يجدون مطعنا فيها بقوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) [فصلت : ٤١] الآية.
وإذ قد كانت هذه المجادلات في أول السورة إلى هنا إبطالا لتعللاتهم ، وكان عماده على أن القرآن عربي مفصّل الدلالة المعروفة في لغتهم حسبما ابتدئ الكلام بقوله : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت : ٣] وانتهى هنا بقوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤١ ، ٤٢] ، فقد نهضت الحجة عليهم بدلالته على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم من هذه الجهة فانتقل إلى حجة أخرى عمادها الفرض والتقدير أن يكون قد جاءهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بقرآن من لغة أخرى غير لغة العرب.
ولذلك فجملة : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) معطوفة على جملة : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ