دخول اللام الموطئة للقسم عليه فمورد التحقيق بالقسم هو حصول الجواب لو حصل الشرط.
وكذلك التأكيد ب (إِنْ) ولام الابتداء مورده هو جواب الشرط ، وكذلك تقديم (لِي) و (عِنْدَهُ) على اسم (إِنَ) هو لتقوّي ترتب الجواب على الشرط.
والحسنى : صفة لموصوف محذوف ، أي الحالة الحسنى ، أو المعاملة الحسنى. والأظهر أن الحسنى صارت اسما للإحسان الكثير أخذا من صيغة التفضيل.
واعلم أن الإنسان متفاوتة أفراده في هذا الخلق المعزوّ إليه هنا على تفاوت أفراده في الغرور ، ولما كان أكثر النّاس يومئذ المشركين كان هذا الخلق فاشيا فيهم يقتضيه دين الشرك. ولا نظر في الآية لمن كان يومئذ من المسلمين لأنهم النادر ، على أن المسلم قد يخامره بعض هذا الخلق وترتسم فيه شيات منه ولكن إيمانه يصرفه عنه انصرافا بقدر قوة إيمانه ، ومعلوم أنّه لا يبلغ به إلى الحد الذي يقول (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ، ولكنه قد تجري أعمال بعض المسلمين على صورة أعمال من لا يظنّ أن الساعة قائمة مثل أولئك الّذين يأتون السيئات ثم يقولون : إن الله غفور رحيم ، والله غني عن عذابنا ، وإذا ذكر لهم يوم الجزاء قالوا : ما ثمّ إلا الخير ونحو ذلك ، فجعل الله في هذه الآية مذمّة للمشركين وموعظة للمؤمنين كمدا للأوّلين وانتشالا للآخرين.
(فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ).
تفريع على جملة (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي) [فصلت : ٤٧] وما اتصل بها أي فلنعلمنّهم بما عملوا علنا يعلمون به أنّا لا يخفى علينا شيء مما عملوه وتقريعا لهم.
وقول : (الَّذِينَ كَفَرُوا) إظهار في مقام الإضمار ، ومقتضى الظّاهر أن يقال : ولننبئنّهم بما عملوا ، فعدل إلى الموصول وصلته لما تؤذن به الصلة من علة استحقاقهم الإذاقة بما عملوا وإذاقة العذاب. وقوله : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) هو المقصود من التفريع.
والغليظ حقيقته : الصلب ، قال تعالى : (فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) [الفتح : ٢٩] ، وهو هنا مستعار للقويّ في نوعه ، أي عذاب شديد الإيلام والتعذيب ، كما استعير للقساوة في المعاملة في قوله (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣] وقوله : (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٣].