شديدي الشقاق ، وذلك كناية عن كونهم أشد الخلق عقوبة لما هو معلوم من أن الضلال سبب للخسران.
والشقاق : العصيان. والمراد : عصيان أمر الله لظهور أن القرآن من عنده على هذا الفرض بيننا.
والبعيد : الواسع المسافة ، واستعير هنا للشديد في جنسه ، ومناسبة هذه الاستعارة للضلال لأن الضلال أصله عدم الاهتداء إلى الطريق ، وأن البعد مناسب للشقاق لأن المنشقّ قد فارق المنشقّ عنه فكان فراقه بعيدا لا رجاء معه للدنوّ ، وتقدم في قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) في سورة البقرة [١٧٦].
وفعل (أَرَأَيْتُمْ) معلق عن العمل لوجود الاستفهام بعده ، والرؤية علمية.
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣))
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ).
أعقب الله أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول للمشركين ما فيه تخويفهم من عواقب الشقاق على تقدير أن يكون القرآن من عند الله وهم قد كفروا به إلى آخر ما قرر آنفا ، بأن وعد رسوله صلىاللهعليهوسلم على سبيل التسلية والبشارة بأن الله سيغمر المشركين بطائفة من آياته ما يتبيّنون به أن القرآن من عند الله حقا فلا يسعهم إلا الإيمان به ، أي أن القرآن حقّ بيّن غير محتاج إلى اعترافهم بحقيته ، وستظهر دلائل حقّيّته في الآفاق البعيدة عنهم وفي قبيلتهم وأنفسهم فتتظاهر الدلائل على أنّه الحق فلا يجدوا إلى إنكارها سبيلا ، والمراد : أنهم يؤمنون به يومئذ مع جميع من يؤمن به. وفي هذا الوعد للرّسول صلىاللهعليهوسلم تعريض بهم إذ يسمعونه على طريقة : فاسمعي يا جارة.
فموقع هذه الجملة بصريحها وتعريضها من الجملة التي قبلها موقع التعليل لأمر الرّسولصلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم ما أمر به ، والتعليل راجع إلى إحالتهم على تشكيكهم في موقفهم للطعن في القرآن. وقد سكت عما يترتب على ظهور الآيات في الآفاق وفي أنفسهم المبينة أن القرآن حقّ لأن ما قبله من قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٥٢] ينبئ عن تقديره ، أي لا يسعهم إلا