وليس معنى الآية إنكارا على المشركين أنّهم لم يكتفوا بشهادة الله على صدق القرآن ولا على صدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم لأنّهم غير معترفين بأن الله شهد بذلك فلا يظهر توجه الإنكار إليهم. ولقد دلّت كلمات المفسرين في تفسير هذه الآية على تردد في استخراج معناها من لفظها.
وقوله : (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بدل اشتمال من (بِرَبِّكَ) والتقدير : أو لم يكفهم ربّك علمه بكل شيء ، أي فهو يحقق ما وعدك من دمغهم بالحجة الدالة على صدقك ، أو فمن استشهد به فقد صدق لأن الله لا يقرّ من استشهد به كاذبا فلا يلبث أن يأخذه.
وفي الآية على الوجه الثاني من وجهي قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) إشارة إلى أن الله لا يصدق من كذب عليه فلا يتم له أمر وهو معنى قول أئمّة أصول الدّين : إن دلالة المعجزة على الصدق أن تغيير الله العادة لأجل تحدّي الرّسولصلىاللهعليهوسلم قائم مقام قوله : صدق عبدي فيما أخبر به عني.
(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))
تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماما بما تضمناه. فأما التذييل الأول فهو جماع ما تضمنته السورة من أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة ، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدّنيا وانكبّوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها. وضمير (إِنَّهُمْ) عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في (سَنُرِيهِمْ) [فصلت : ٥٣].
وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطال لأقوالهم وتقويم لاعوجاجهم ، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة. وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشكّ في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النّظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات.
والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة ، وبكسر الميم وهو لغة مثل : خفية وخفية. والمرية : الشك. وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنّهم مظروفون فيه و (مِنْ) ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمنشإ كأن الشك جاء من مكان هو