السورة نزلت في حدود سنة ثمان بعد البعثة ، ولعلّ نزولها استمر إلى سنة تسع بعد أن آمن نقباء الأنصار ليلة العقبة فقد قيل : إن قوله : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [الشورى : ٣٨] أريد به الأنصار قبل هجرة النبيصلىاللهعليهوسلم إلى المدينة. وعدّت آيها عند أهل المدينة ومكّة والشّام والبصرة خمسين ، وعند أهل الكوفة ثلاثا وخمسين.
أغراض هذه السورة
أوّل أغراضها الإشارة إلى تحدّي الطاعنين في أن القرآن وحي من الله بأن يأتوا بكلام مثله ، فهذا التحدّي لا تخلو عنه السور المفتتحة بالحروف الهجائية المقطّعة ، كما تقدم في سورة البقرة. واستدلّ الله على المعاندين بأن الوحي إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ما هو إلا كالوحي إلى الرّسل من قبله لينذر أهل مكّة ومن حولها بيوم الحساب. وأن الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض لا تعارض قدرته ولا يشك في حكمته ، وقد خضعت له العوالم العليا ومن فيها وهو فاطر المخلوقات فهو يجتبي من يشاء لرسالته فلا بدع أن يشرع للأمّة المحمدية من الدّين مثل ما شرع لمن قبله من الرّسل ، وما أرسل الله الرّسل إلّا من البشر يوحي إليهم فلم يسبق أن أرسل ملائكة لمخاطبة عموم النّاس مباشرة. وأن المشركين بالله لا حجة لهم إلّا تقليد أئمّة الكفر الذين شرعوا لهم الإشراك وألقوا إليهم الشبهات. وحذرهم يوم الجزاء واقتراب الساعة وما سيلقى المشركون يوم الحساب من العذاب مع إدماج التعريض بالترغيب فيما سيلقاه المؤمنون من الكرامة ، وأنّهم لو تدبروا لعلموا أن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يأتي عن الله من تلقاء نفسه لأن الله لا يقرّه على أن يقول عليه ما لم يقله. وذكرت دلائل الوحدانية وما هو من تلك الآيات نعمة على النّاس مثل دليل السير في البحر وما أوتيه النّاس من نعم الدّنيا.
وتسلية الرّسول صلىاللهعليهوسلم بأن الله هو متولي جزاء المكذّبين وما على الرّسول صلىاللهعليهوسلم من حسابهم من شيء فما عليه إلا الاستمرار على دعوتهم إلى الحق القويم. ونبههم إلى أنه لا يبتغي منهم جزاء على نصحه لهم وإنّما يبتغي أن يراعوا أواصر القرابة بينه وبينهم. وذكّرهم نعم الله عليهم ، وحذرهم من التسبب في قطعها بسوء أعمالهم ، وحرّضهم على السعي في أسباب الفوز في الآخرة والمبادرة إلى ذلك قبل الفوات ، فقد فاز المؤمنون المتوكلون ، ونوّه بجلائل أعمالهم وتجنبهم التعرض لغضب الله عليهم. وتخلل ذلك تنبيه على آيات كثيرة من آيات انفراده تعالى بالخلق والتصرف المقتضي انفراده بالإلهية إبطالا