وفرع على اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه قوله : (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) فكان اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه سببا في الأمرين : ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند الوفاة ، وإحباط أعمالهم.
والإحباط : إبطال العمل ، أي أبطل انتفاعهم بأعمالهم التي عملوها مع المؤمنين من قول كلمة التوحيد ومن الصلاة والزكاة وغير ذلك. وتقدم ما هو بمعناه في أول السورة.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩))
انتقال من التهديد والوعيد إلى الإنذار بأن الله مطلع رسوله صلىاللهعليهوسلم على ما يضمره المنافقون من الكفر والمكر والكيد ليعلموا أن أسرارهم غير خافية فيوقنوا أنهم يكدون عقولهم في ترتيب المكائد بلا طائل وذلك خيبة لآمالهم.
و (أَمْ) منقطعة في معنى (بل) للإضراب الانتقالي ، والاستفهام المقدر بعد (أَمْ) للإنكار. وحرف (لن) لتأييد النفي ، أي لا يحسبون انتفاء إظهار أضغانهم في المستقبل ، كما انتفى ذلك فيما مضى ، فلعل الله أن يفضح نفاقهم.
واستعير المرض إلى الكفر بجامع الإضرار بصاحبه ، ولكون الكفر مقره العقل المعبر عنه بالقلب كان ذكر القلوب مع المرض ترشيحا للاستعارة لأن القلب مما يناسب المرض الخفيّ إذ هو عضو باطن فناسب المرض الخفيّ.
والإخراج أطلق على الإظهار والإبراز على وجه الاستعارة لأن الإخراج استدلال شيء من مكمنه ، فاستعير للإعلام بخبر خفيّ.
والأضغان : جمع ضغن بكسر الضاد المعجمة وسكون الغين المعجمة وهو الحقد والعداوة. والمعنى أنه يخرجها من قلوبهم وكان العرب يجعلون القلوب مقر الأضغان قال الشاعر ، وهو من شواهد المفتاح للسكاكي ولا يعرف قائله :
الضاربين بكلّ أبيض مخذم |
|
والطاعنين مجامع الأضغان |
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠))
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ).