وتبيّن الهدى لهم : ظهور ما في دعوة الإسلام من الحق الذي تدركه العقول إذا نبهت إليه ، وظهور أن أمر الإسلام في ازدياد ونماء ، وأن أمور الآخرين في إدبار ، فلم يردعهم ذلك عن محاولة الإضرار بالرسول صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الرعد : ٤١]. فحصل من مجموع ذلك أن الرسول صلىاللهعليهوسلم رسول الله ، وأن الإسلام دين الله.
وقيل المراد بالذين كفروا في هذه الآية يهود قريظة والنضير ، وعليه فمشاقتهم الرسولصلىاللهعليهوسلم مشاقة خفية مشاقّة كيد ومكر ، وتبيّن الهدى لهم ظهور أن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو الموعود به في التّوراة وكتب الأنبياء ، فتكون الآية تمهيدا لغزو قريظة والنضير.
وانتصب (شَيْئاً) على المفعول المطلق ل (يَضُرُّوا) والتنوين للتقليل ، أي لا يضرّون في المستقبل الله أقل ضرّ. وإضرار الله أريد به إضرار دينه لقصد التنويه والتشريف لهذا الدين بقرينة قوله : (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى).
والإحباط : الإبطال كما تقدم آنفا. ومعنى إبطال أعمالهم بالنسبة لأعمالهم في معاملة المسلمين أن الله يلطف برسوله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين بتيسير أسباب نصرهم وانتشار دينه ، فلا يحصّل الذين كفروا من أعمالهم للصد والمشاقة على طائل. وهذا كما تقدم في تفسير قوله : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١].
وحرف الاستقبال هنا لتحقيق حصول الإحباط في المستقبل وهو يدل على أن الله محبط أعمالهم من الآن إذ لا يعجزه ذلك حتى يترصد به المستقبل ، وهذا التحقيق مثل ما في قوله في سورة يوسف (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف : ٩٨].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣))
اعتراض بين جملة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) [محمد: ٣٢] ، وبين جملة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) [محمد : ٣٤] وجه به الخطاب إلى المؤمنين بالأمر بطاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم وتجنب ما يبطل الأعمال الصالحة اعتبارا بما حكي من حال المشركين في الصد عن سبيل الله ومشاقة الرسولصلىاللهعليهوسلم.
فوصف الإيمان في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) مقابل وصف الكفر في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [محمد : ٣٢] ، وطاعة الله مقابل الصدّ عن سبيل الله ، وطاعة الرسول ضد مشاقة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والنهي عن إبطال الأعمال ضد بطلان أعمال الذين كفروا. فطاعة