علمت وهم يثبتون يوم القيامة.
وضميرا (كانُوا) في الموضعين يجوز أن يعودا إلى (مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) فإن المشركين يعادون أصنامهم يوم القيامة إذ يجدونها من أسباب شقائهم. ويجوز أن يعودا إلى (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) فإن الأصنام يجوز أن تعطى حياة يومئذ فتنطق بالتبرّي عن عبادها ومن عبادتهم إياها ، قال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر : ١٤] وقال: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ* قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً* فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) [الفرقان : ١٧ ـ ١٩].
ويجوز أن يكون قوله : (كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) جاريا على التشبيه البليغ لمشابهتها للأعداء والمنكرين للعبادة في دلالتها على ما يفضي إلى شقائهم وكذبهم كقوله تعالى : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود : ١٠١].
وعطف جملة (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) إلخ على ما قبلها لمناسبة ذكر يوم القيامة. ومن بديع تفنن القرآن توزيع معاد الضمائر في هذه الآية مع تماثلها في اللفظ وهذا يتدرج في محسّن الجمع مع التفريق وأدق.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
عطف على جملة (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) [الأحقاف : ٥] ، وقد علمت أن هذا مسوق مساق العد لوجوه فرط ضلالهم فإن آيات القرآن تتلى عليهم صباح مساء تبين لهم دلائل خلوّ الأصنام عن مقومات الإلهية فلا يتدبرونها وتحدو بهم إلى الحق فيغالطون أنفسهم بأن ما فهموه منها تأثر سحري ، وأنها سحر ، ولم يكتفوا بذلك بل زادوا بهتانا فزعموا أنه مبين ، أي واضح كونه سحرا. وهذا انتقال إلى إبطال ضلال آخر من ضلالهم وهو ضلال التكذيب بالقرآن فهو مرتبط بقوله : (حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) [الأحقاف : ١ ، ٢] إلخ.
وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالكفر وبأنه سبب قولهم ذلك.